بقلم: د. محمود خليل
خلال المناظرة الأخيرة لانتخابات الرئاسة الأمريكية ظهر «ترامب» أكثر هدوءاً وارتكازاً، وكان «بايدن» كعادته أكثر ثباتاً على المستوى الانفعالى. فقد المتنافسان تركيزهما فى الحالات التى تبادلا فيها الاتهامات، فاتهم «ترامب» غريمه بقبض مال من روسيا، ليتهمه «بايدن» بالقبض من الصين وأن له حساباً بنكياً بها. مع تبادل الاتهامات كان الطرفان يفقدان تركيزهما وثباتهما الانفعالى ليدخلا فى فاصل من «التلويش». دفاع «ترامب» عن أسلوب تعامله مع كورونا كان ضعيفاً، فثرثر كثيراً، وشخصن أكثر حين بالغ فى الحديث عن تجربته مع المرض، وعاد إلى طريقته المعتادة فى بذل الوعود عن الوصول إلى علاج للفيروس خلال أسابيع. لعب «بايدن» على تناقضات «ترامب» فى ملف كورونا، وعرف كيف يستفيد من سيل التصريحات «الترامبية» فى هذا المقام، فذكّر الأمريكيين بوعود سابقة لترامب بالوصول إلى فاكسين أو علاج للفيروس دون أن يحدث شىء، وذكّرهم أيضاً بقيام «ترامب» بطمأنتهم من ناحية الفيروس أول ظهوره فى يناير الماضى، رغم وجود معلومات لديه بخطورته. وكان «ترامب» من الذكاء بحيث ركّز على ورقة «الاقتصاد» واتهم «بايدن» بأنه يريد إغلاق البلاد وتعطيل الحياة فى أمريكا ولا يلتفت إلى التأثيرات الاقتصادية لذلك على المواطن الأمريكى، واتهمه بالخوف والاختباء عند مواجهة المشكلات. من جديد اتهم «بايدن» غريمه بالتهرب الضريبى، وطالبه بالإفصاح عن سجلاته الضريبية، ورد «ترامب» بأنه دفع الملايين لهيئة الضرائب، وأنه كان يدفع بشكل مسبق، لكنه بدا شديد الامتقاع وهو يتحدث عن الموضوع. وموضوع الضرائب كما تعلم من أكثر الموضوعات حساسية بالنسبة للناخب الأمريكى. على هذا النحو عولجت بقية الموضوعات التى اشتملت عليها المناظرة. «بايدن» يستغل نقاط الضعف فى أداء «ترامب» ويركز لكماته عليها، و«ترامب» يستغل ذكاءه فى المناورة والتفلت وتسفيه آراء «بايدن». القاسم المشترك بين المتنافسين هو «تبادل الاتهامات»، وفى خضم هذه المتاهة لم نسمع شيئاً ذا قيمة عن خطط أو رؤى يطرحها أى منهما فى مواجهة المشكلات. ربما كانت طبيعة المناظرات كذلك، لأن المؤسسات هى المدير الحقيقى للسياسات الأمريكية، لكن يبقى أن هناك رؤساء أمريكان سابقين كانوا يهتمون ببلورة رؤاهم فى جمل بسيطة عبر هذه المناظرات. حتى اللحظة أدلى 42 مليون أمريكى بأصواتهم فى الانتخابات المبكرة، تشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن أغلبهم من الديمقراطيين. ولعلك تعلم أن هناك ولايات معينة يسيطر عليها التوجه الديمقراطى، وأخرى يسيطر عليها التوجه الجمهورى، وما بينهما يوجد ولايات متأرجحة. والولايات الأخيرة هى التى تحسم نتيجة الانتخابات. ثمة حقيقتان أساسيتان فى الانتخابات الأمريكية الحالية.. الأولى أن نتيجتها سوف تظل معلقة حتى اللحظة الأخيرة، بعيداً عما تقوله الاستطلاعات، وعما أسفرت عنه المناظرات. الحقيقة الثانية أن من الوارد أن تترتب على نتائج الانتخابات آثار خطيرة على مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية. «ترامب» شخصية مثيرة للقلق، وقد ذكر غير مرة أنه لن يسلم حكم أمريكا لغيره بسهولة، وهو كلام خطير.. أضف إلى ذلك أن «الصين» حظيت بحضور لافت فى خطاب كل من «ترامب» و«بايدن»، وإذا ربطت ذلك بما تذكره تقارير إعلامية عن استعدادات عسكرية صينية لغزو «تايوان» فلك أن تتوقع مواجهة داهمة بين الصين وأمريكا، بغض النظر عن اسم الفائز فى الانتخابات.