بقلم: د. محمود خليل
فى ولاية جورجيا كان سكرتير الولاية براد رافنسبيرجر يمارس أعماله اليومية المعتادة حين رنَّ رقم هاتفه ليجد على الطرف الآخر صوت ترامب يأتيه من البيت الأبيض. يطلب «ترامب» من رافنسبيرجر اللعب فى نتائج انتخابات ولاية جورجيا، ويأمره بأن يتصرف فى 12 ألف صوت يضيفها إلى إجمالى ما حصل عليه من أصوات الولاية حتى تذهب نتيجتها إليه لتقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالحه.
رفض السكرتير طلب «ترامب» وقال له إن معلوماته عن نتائج الولاية غير صحيحة، وإن الحقيقة أن بايدن فاز بها، فيهدده الرئيس المنتهية ولايته بالجرجرة فى المحاكم.
«ترامب» لا يصدق أنه سيترك البيت الأبيض بعد أسبوعين، أو قُل لا يريد أن يصدق، لذا يتخذ مواقف ويتبنى خيارات جنونية تثير عجب الكثير من لأمريكان كما تستدعى دهشة شعوب الأرض الأخرى.
المكالمة العجيبة تهدد «ترامب» نفسه بالوقوف أمام المحاكم الجنائية الأمريكية بتهمة الضغط على مسئول بإحدى الولايات للتلاعب فى نتائج انتخابات أقرتها الجهات المسئولة فى الولايات المتحدة الأمريكية.
المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، بل لقد دعا «ترامب» أنصاره إلى الاحتشاد بساحة الكابيتول أمام الكونجرس الأمريكى صباح اليوم 6 يناير لرفض نتائج الانتخابات فى نفس اليوم الذى سيصدق فيه أعضاء الكونجرس على فوز «بايدن».
لا يحسب «ترامب» أن أصحابه الجمهوريين منقسمون على أنفسهم، وأن هناك من سيرفض دعوته «الحمقاء» للاحتشاد، وأن أغلب من سيلبون الدعوة يدركون قبل غيرهم أن الخطوة غير مجدية ولن تؤثر على النتيجة فى شىء، وأن الحقيقة هى أن كبيرهم خسر وسوف يغادر البيت الأبيض.
حماس «ترامب» لقبول أكذوبة أنه فاز فى الانتخابات لا يقابلها حماس موازٍ من جانب أنصاره، لذا فأغلب الخطوات التى يقدم عليها ترامب فى الساعة الأخيرة قبل المغادرة تضيف المزيد إلى سلسلة خسائره.
لا يستبعد البعض أن يكمل «ترامب» مسلسل الاندفاع غير المحسوب بخطوة شن هجوم عسكرى على إيران، خصوصاً بعد عودة حاملة الطائرات «نيميتز» إلى مياه الخليج.
عادت حاملة الطائرات بعد ساعات من انتهاء فعاليات إحياء ذكرى اغتيال قاسم سليمانى (3 يناير) دون أى فعل انتقامى إيرانى، كما كان يردد بعض المسئولين الأمريكيين.
«ترامب» يتخبط. لكننى أظن أن حالة التخبط التى تسيطر عليه لن تدفعه إلى اتخاذ أكثر الخطوات اندفاعاً بتفجير الإقليم الشرق أوسطى كله عبر إشعال حرب مع إيران، لأن النظام السياسى فى الولايات المتحدة يمتلك الأدوات التى تمكنه من منع رئيس منتهية ولايته من توريط الدولة بأكملها فى خطوة لا يعلم أحد عواقبها. كما أن مسئولى «البنتاجون» أنفسهم منقسمون حول الخطوة.
«ترامب» يعيش «ورطة» كبرى، لكن العديد من رموز السياسة الأمريكية يفهمون أن الرجل يريد الخروج من ورطته بإيقاع الدولة ككل فى ورطة أكبر، لذا فإن المساحة التى يتحرك فيها محدودة للغاية.
الأيام القادمة سوف ترسم بخطوط أكثر حدة ووضوحاً معالم الورطة التى يعيشها «ترامب» والورطة الأكبر التى تنتظره بعد أن يغادر البيت الأبيض.