توقيت القاهرة المحلي 00:42:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مملوكية «حفيد الوالى»

  مصر اليوم -

مملوكية «حفيد الوالى»

بقلم : د. محمود خليل

فى نهايات عمره أصيب محمد على بداء الخرف، فأخذ يهذى ويخلط فى الكلام بصورة دفعت ابنه إبراهيم باشا، إلى كتابة تقرير حول حالته الصحية، رفعه إلى الباب العالى فى إسطنبول. وبناءً على هذا التقرير، صدر فرمان عثمانى بتولية إبراهيم مكان أبيه، لكن المحارِب الشهير لم يلبث فى الحكم إلا قليلاً ثم مات، ليتولى العرش من بعده الوالى عباس بن طوسون بن محمد على. مثلت توجهات الوالى الجديد ما يشبه الثورة المضادة على توجّهات الجد الأكبر، وقدّم نموذجاً للارتداد إلى المركب الثقافى للعصر المملوكى بصورة تستلفت النظر.

أول مظاهر المملوكية فى شخصية «عباس» ظهرت مع القرار الذى اتّخذه بوقف العمل بالمدارس التى أنشأها محمد على، واستكمالاً لمسيرة الردة إلى مصر المملوكية قرّر الوالى نفى رفاعة الطهطاوى المسئول عن المدارس إلى السودان. لم يكن لهذه القرارات أى صدى على مستوى الجماهير، إذ لم يكن أمر التعليم يدخل من قريب أو من بعيد فى دائرة اهتمام غالبيتهم. كما أن التركيبة المعقّدة لشخصية «عباس» كانت تخيف المصريين منه بدرجة كبيرة.

امتازت شخصية نجل طوسون بالارتباك والتوجّس من المحيطين به، فبالغ فى البعد عنهم، وانشغل بتدبير الاحتياطات، لحفظ حياته عما سواها. وبسبب خوفه المرضى من المجهول، استغرق «عباس» فى طقوس الدجل المملوكى، فأحاط نفسه بمجموعة من المنجّمين والعرّافين وضاربى الودع، خلافاً لجده محمد على، الذى كان مولعاً بالعلم. يقول صاحب كتاب «الكافى فى التاريخ»، واصفاً الوالى عباس: كان كثير التساؤل عن مستقبل الأمور، ثابت الاعتقاد فى الكهانة والعرافة والزايرجات، فأدنى منه جماعة من أصحابها وقرّبهم وسألهم عما يكون فى أيامه من الحوادث والكوائن، وما سيقع إليه من خير أو شر، فهدّدوه برجل طويل القامة أسود اللون، فبالغ فى التنكيل بالأهالى، وبالمحيطين به بصورة غير مسبوقة.

اهتم عباس طوسون أيضاً بمغازلة المصريين بالأساليب المملوكية الموروثة، فبالغ فى الاهتمام بأضرحة الأولياء والصالحين. عمّر مسجد السيدة سكينة، وعمل عليه مقصورة من النحاس الأحمر، وجدّد كذلك مسجد العشماوى بالأزبكية، واستغل فرصة قيام أمه بحج بيت الله الحرام، فاستقبلها استقبالاً عامراً وأولم الولائم وتصدّق على أصحاب الحاجة وتلاميذ الكتاتيب ومجاورى الأضرحة وغير ذلك من طقوس مملوكية. وكانت هذه الخطوات مثار إعجاب ورضاء أهل القاهرة، كما يسجل العديد من المؤرخين.

هكذا انكفأت مصر من جديد فى «قاع المملوكية»، بعد أن قامت على قدميها فى عصر محمد على. ولم تغن عنها التحولات الكبرى التى شهدتها فى عصر الباشا الكبير، ولم يكن لذلك من سبب سوى تجذّر الثقافة المملوكية شعبياً، وحتى داخل أسرة محمد على نفسها، لأن واضع أساس نهضة مصر الحديثة اكتفى بالقضاء على المماليك كخصم سياسى، لكنه لم يوجّه أى جهد تعليمى أو تثقيفى لتذويب فكرهم الذى عشّش فى أدمغة المصريين.

الجانب الأخطر فى التمكّن الثقافى المملوكى من تركيبة عباس طوسون ظهر فى موقفه من القبط، فقد حدث أن مات «بطرس» بطريرك الأقباط، واجتمع كبار الملة وتوافقوا على إقامة «داود» خلفاً له، ورفعوا الأمر إلى «عباس»، فما كان منه إلا أن طلب من جماعة المنجمين من حوله قراءة طالع البطريرك المقترح فأرجفوا وهولوا وقالوا طالعه نكد، ثم خصام وشدة، ثم موت الوالى وتمزيق شمل أتباعه، فاضطرب «عباس» ورفض تسمية «داود»، وطرد الموظفين الأقباط من وظائف الدولة، وحدثت فتنة كبيرة كادت تأخذ فى طريقها الكثير من الأرواح، حتى تم تعيين «داود» بطريركاً خلفاً لـ«بطرس». والمثير أن الوالى عباس فكر بعد هذه الواقعة فى تبعيد كل الأقباط عن مصر ونفيهم إلى السودان، لولا أن نهاه شيخ الإسلام حينذاك!.

نقلا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع  

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مملوكية «حفيد الوالى» مملوكية «حفيد الوالى»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon