توقيت القاهرة المحلي 10:43:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مملوكية «حفيد الوالى»

  مصر اليوم -

مملوكية «حفيد الوالى»

بقلم : د. محمود خليل

فى نهايات عمره أصيب محمد على بداء الخرف، فأخذ يهذى ويخلط فى الكلام بصورة دفعت ابنه إبراهيم باشا، إلى كتابة تقرير حول حالته الصحية، رفعه إلى الباب العالى فى إسطنبول. وبناءً على هذا التقرير، صدر فرمان عثمانى بتولية إبراهيم مكان أبيه، لكن المحارِب الشهير لم يلبث فى الحكم إلا قليلاً ثم مات، ليتولى العرش من بعده الوالى عباس بن طوسون بن محمد على. مثلت توجهات الوالى الجديد ما يشبه الثورة المضادة على توجّهات الجد الأكبر، وقدّم نموذجاً للارتداد إلى المركب الثقافى للعصر المملوكى بصورة تستلفت النظر.

أول مظاهر المملوكية فى شخصية «عباس» ظهرت مع القرار الذى اتّخذه بوقف العمل بالمدارس التى أنشأها محمد على، واستكمالاً لمسيرة الردة إلى مصر المملوكية قرّر الوالى نفى رفاعة الطهطاوى المسئول عن المدارس إلى السودان. لم يكن لهذه القرارات أى صدى على مستوى الجماهير، إذ لم يكن أمر التعليم يدخل من قريب أو من بعيد فى دائرة اهتمام غالبيتهم. كما أن التركيبة المعقّدة لشخصية «عباس» كانت تخيف المصريين منه بدرجة كبيرة.

امتازت شخصية نجل طوسون بالارتباك والتوجّس من المحيطين به، فبالغ فى البعد عنهم، وانشغل بتدبير الاحتياطات، لحفظ حياته عما سواها. وبسبب خوفه المرضى من المجهول، استغرق «عباس» فى طقوس الدجل المملوكى، فأحاط نفسه بمجموعة من المنجّمين والعرّافين وضاربى الودع، خلافاً لجده محمد على، الذى كان مولعاً بالعلم. يقول صاحب كتاب «الكافى فى التاريخ»، واصفاً الوالى عباس: كان كثير التساؤل عن مستقبل الأمور، ثابت الاعتقاد فى الكهانة والعرافة والزايرجات، فأدنى منه جماعة من أصحابها وقرّبهم وسألهم عما يكون فى أيامه من الحوادث والكوائن، وما سيقع إليه من خير أو شر، فهدّدوه برجل طويل القامة أسود اللون، فبالغ فى التنكيل بالأهالى، وبالمحيطين به بصورة غير مسبوقة.

اهتم عباس طوسون أيضاً بمغازلة المصريين بالأساليب المملوكية الموروثة، فبالغ فى الاهتمام بأضرحة الأولياء والصالحين. عمّر مسجد السيدة سكينة، وعمل عليه مقصورة من النحاس الأحمر، وجدّد كذلك مسجد العشماوى بالأزبكية، واستغل فرصة قيام أمه بحج بيت الله الحرام، فاستقبلها استقبالاً عامراً وأولم الولائم وتصدّق على أصحاب الحاجة وتلاميذ الكتاتيب ومجاورى الأضرحة وغير ذلك من طقوس مملوكية. وكانت هذه الخطوات مثار إعجاب ورضاء أهل القاهرة، كما يسجل العديد من المؤرخين.

هكذا انكفأت مصر من جديد فى «قاع المملوكية»، بعد أن قامت على قدميها فى عصر محمد على. ولم تغن عنها التحولات الكبرى التى شهدتها فى عصر الباشا الكبير، ولم يكن لذلك من سبب سوى تجذّر الثقافة المملوكية شعبياً، وحتى داخل أسرة محمد على نفسها، لأن واضع أساس نهضة مصر الحديثة اكتفى بالقضاء على المماليك كخصم سياسى، لكنه لم يوجّه أى جهد تعليمى أو تثقيفى لتذويب فكرهم الذى عشّش فى أدمغة المصريين.

الجانب الأخطر فى التمكّن الثقافى المملوكى من تركيبة عباس طوسون ظهر فى موقفه من القبط، فقد حدث أن مات «بطرس» بطريرك الأقباط، واجتمع كبار الملة وتوافقوا على إقامة «داود» خلفاً له، ورفعوا الأمر إلى «عباس»، فما كان منه إلا أن طلب من جماعة المنجمين من حوله قراءة طالع البطريرك المقترح فأرجفوا وهولوا وقالوا طالعه نكد، ثم خصام وشدة، ثم موت الوالى وتمزيق شمل أتباعه، فاضطرب «عباس» ورفض تسمية «داود»، وطرد الموظفين الأقباط من وظائف الدولة، وحدثت فتنة كبيرة كادت تأخذ فى طريقها الكثير من الأرواح، حتى تم تعيين «داود» بطريركاً خلفاً لـ«بطرس». والمثير أن الوالى عباس فكر بعد هذه الواقعة فى تبعيد كل الأقباط عن مصر ونفيهم إلى السودان، لولا أن نهاه شيخ الإسلام حينذاك!.

نقلا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع  

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مملوكية «حفيد الوالى» مملوكية «حفيد الوالى»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon