بقلم: د. محمود خليل
انخرط أحدهم فى فاصل «تريقة» على نوع اللغة وأسلوب الأداء وأسماء المذيعين والمذيعات داخل إذاعة القرآن الكريم. أراد أن «يستظرف» أمام مجموعة من النوع «اللى بيضحك على روحه»، اللافت أن أحدهم لم يبدِ أى انزعاج أو حرج من تناول إذاعة لها موقعها الخاص فى نفوس المصريين، وإذاعيين تحترمهم النسبة الغالبة منهم.
شخصياً لم أفاجأ بما حدث، فالتجاوز عندما يبدأ لا يقف عند حدود. وبعض الأفراد -وخصوصاً من الجيل الجديد- لا يمتلكون التكوين الفكرى والمعرفى الذى يجعلهم يفرقون بين محاربة التطرف والتشدد والتنطع فى الدين وبين الدين فى حد ذاته كجزء من البناء المعرفى والثقافى والإنسانى للمجتمع المصرى.
القرآن الكريم كتاب الله تعالى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ويمثل المنطقة الأكثر قداسة فى وجدان المسلم. والإذاعة التى كانت محل استظراف هذا الشخص تأخذ اسمها من كتاب الله، وكل محتواها -كما يعلم متابعوها- يدور حول القرآن الكريم، تلاوة وتجويداً وتفسيراً وشرحاً وإفتاء وغير ذلك.
وليس هناك خلاف على أن من حق أى مستمع للإذاعة أن يكون له رأى فى محتواها، بشرط الموضوعية، ومراعاة آداب إبداء الرأى، أما السخرية والتنكيت على المحتوى أو طريقة الأداء فأمر قد يكون له ما بعده، وهذا ما لن يرضى به أحد. ولست أظن أن الأمور يمكن أن تصل بنا إلى هذا الحد.
من المهم أن ننتبه إلى أن الأجيال الجديدة أصبحت نهباً لما يمكن وصفه بالنفايات الفكرية التى يجدونها شائعة ورائجة على مواقع التواصل الاجتماعى وفى بعض الكتابات التى لا يفرق أصحابها بين ما يصح وما لا يصح فى مراجعة التراث الإسلامى، حيث ينظر بعضهم إلى «القرآن الكريم» وكأنه جزء من التراث.
كتاب الله غير ذلك، فهو الكتاب الكريم الذى يحمل رسالة الإسلام. وهو كتاب مقدس ينتمى إليه الإنسان المسلم فى كل زمان ومكان، ولا يجرى عليه ما يجرى على النصوص البشرية، لأنه يحمل «وحى السماء».
فى زحمة الاجتهادات التى تُقدم فى سياق تطوير الفكر الدينى للمسلم المعاصر ينبغى توعية الأجيال الجديدة بخصوصية القرآن الكريم، وأهمية الاستفادة من النوافذ والأدوات الحاملة له، مثل إذاعة القرآن الكريم، واستخلاص فلسفة الحياة والرؤية العميقة التى طرحها الكتاب الكريم للإنسان، وللعلاقات الإنسانية، والبناء الأخلاقى الرفيع الذى يرتكن إليه.
احترام المسلم لكتابه المقدس لا يعنى بحال أن يعطل عقله عن التعامل النقدى والتحليلى مع غيره من النصوص البشرية الموروثة، بشرط أن يتم ذلك بما يجب من موضوعية وعقلانية، بعيداً عن السخف والاستظراف وعدم الاحترام لتاريخ التجربة الإسلامية التى مثلت مرحلة مهمة من مراحل تطور التجربة البشرية ككل.
صاحب هذا الفيديو فى حاجة إلى تربية وتكوين أكثر من أى شىء، وليت إذاعة القرآن الكريم تستحدث ضمن خدماتها برامج تجتهد من خلالها فى مخاطبة الأجيال الجديدة من الشباب، وليت كتب التربية الدينية بالمدارس -إذا كانت حصة الدين لا تزال مدرجة على الجداول- أن تطور محتواها، بشكل يحد الحدود بين المقبول وغير المقبول فى سلوك المسلم، ويؤكد ما يحمله القرآن من فلسفة عميقة فى النظر إلى الحياة وما بعد الحياة.. وربنا يهدى.