بقلم : محمود خليل
وضعت القوات الأمريكية نهاية مأساوية لأسامة بن لادن، بعد أن ألقى بها فى قلب مأساة تفجير برجى التجارة العالميين عام 2001. انتهت أسطورة أسامة بن لادن. ذلك المليونير الذى ترك ماله وأعماله وعدا وراء وهم، حين صور له خياله أن بإمكانه إنشاء جيش خلافة يماثل جيوش المسلمين الأوائل، يخوض معاركه من فوق ظهور الخيل ويعيش جنوده فى الصحارى وشعاب الجبال وفى بطون الكهوف، ويعادل قوة الغرب المتفوق علمياً وتكنولوجياً وعسكرياً بالمفخخات البشرية. اغتيل أسامة بن لادن بعد أن رأى دولة الخلافة التى تصور أنه يقيمها فى أفغانستان تتهاوى أمامه، وبعد أن رأى من بايعه كأمير للمؤمنين «الملا محمد عمر» يفر أمام الغزو الأمريكى للبلاد.
أطراف عدة ساهمت فى صناعة «بن لادن» وتنظيم القاعدة. يأتى فى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التى دعّمته ودعّمت غيره من الإسلاميين الذين رفعوا شعار الجهاد ضد السوفيت. كان «بن لادن» يعلم أن الأمريكان يساعدون الأفغان (عجماً وعرباً) لوجه مصالحهم، وكان الأمريكان يعلمون أنه رضى بالتحالف معهم على المستوى التكتيكى فقط، لكن بقى ما فى القلب فى القلب بالنسبة للإدارة الأمريكية التى رآها «بن لادن» مثلما رآها «الخومينى» من قبل «شيطاناً أكبر» بسبب دعمها للاستبداد فى بلاد العرب، وحلبها لثرواتهم، ودفاعها اللا محدود عن إسرائيل. الطرفان كانا يعلمان أن المواجهة بينهما قادمة. «بن لادن» كان يرى أن الجندى الأمريكى ضعيف لا يقوى على المواجهة القتالية. من الطبيعى أن يفكر رجل يعيش فى العصور الوسطى على هذا النحو، فأنى له أن يتقبل مفاهيم الحرب الجديدة التى سادت أواخر القرن العشرين؟ أما الولايات المتحدة الأمريكية فكانت تراه بطلاً من ورق، أو مجرد رجل يتحرك بمجموعة من الأوهام التى تعشش فى رأسه، وأن فى مقدورهم تحطيم هذا الرأس فى أى وقت.
بأدوات العصور الوسطى تمكن «بن لادن» من أن يوجع قلب أمريكا، حين حول الطائرة التى تحمل البشر من مكان إلى مكان إلى أداة للقتل، تماماً مثلما يفجر أحمق مكاناً باستخدام أنبوبة بوتاجاز. لم يكشف «بن لادن» بهذه الضربة «ضعف الجندى الأمريكى» كما كان يتصور، فقد قتل مدنيين من جنسيات وديانات متنوعة، بمن فى ذلك مئات العرب والمسلمين، بل كشف عن ترهل بعض أجهزة الدولة الأمريكية وبيروقراطيتها، وأن مثلها مثل أجهزة كل دول العالم، تعرف الإهمال والبطء فى رد الفعل والصراعات. أما أمريكا فقد قضت على الخلافة الورقية ببلاد الأفغان بأدوات العصر الذى تملكه. وطاردت أعضاء التنظيم الذى نشأ وكبر على يديها، بعد أن استدار إليها.
«بن لادن» عاش بوهم أن الأفغان العرب تمكنوا -تحت قيادته هو والدكتور أيمن الظواهرى- من طرد السوفيت من أفغانستان، رغم أن العرب لم يقاتلوا هناك، بل تدرب أغلبهم فقط على القتال، وكانوا ينتظرون اللحظة التى يعودون فيها إلى بلادهم لتطبيق ما تدربوا عليه، وعندما وجّه «بن لادن» ضربته إلى أمريكا وتوعدته بالرد توهم أن شباب العالم الإسلامى سيتدفقون إلى أفغانستان لجهاد الأمريكان تحت رايته، وهو ما لم يحدث بالطبع. أما الأمريكان فأحياناً ما تنتابهم الأوهام هم الآخرون عندما يتصورون أن بإمكانهم صرف «العفريت» الذى حضّروه دون كلفة أو ثمن، كثيراً ما يكون باهظاً.
a