بقلم: د. محمود خليل
فى فبراير 2019 قالت كريستين لاجارد، المدير العام لصندوق النقد الدولى، إن برنامج الإصلاح الاقتصادى، الذى تنفذه الحكومة المصرية، بالتعاون مع الصندوق، قد ترك آثاراً على شرائح الشعب المصرى، وخاصة الطبقة المتوسطة، وأضافت أن هذا الأمر يتطلب من الحكومة المصرية التركيز، خلال الفترة القادمة، على إطلاق طاقات الاقتصاد لصالح تلك الطبقات. كيف تبدو ملامح الصورة بعد ما يقرب من عام ونصف على هذا التصريح؟
أذكر أننى كتبت عدة مرات عن معاناة الطبقة الوسطى والأزمة الاقتصادية والمعيشية التى ضربتها بالتوازى مع حزمة الإجراءات التى اتخذتها الحكومة فى إطار برنامج «الإصلاح الاقتصادى». أفراد من هذه الطبقة أعادوا جدولة مصروفاتهم، فهذبوا عمليات الشراء والاستهلاك، وأعادوا ترتيب أولويات الإنفاق، بحيث يتوجه الدخل بشكل أساسى إلى الاحتياجات الضرورية.
أفراد آخرون من الطبقة لجأوا إلى فكرة النزول معيشياً درجة أو اثنتين أو أكثر -حسب الظروف- فلجأوا فى بنود مثل التعليم والصحة والترفيه إلى درجات أدنى على السلم. على سبيل المثال بدلاً من مدرسة مصروفاتها كذا تم نقل الأبناء إلى مدارس أقل تكلفة، وبدلاً من دفع مبلغ كذا فى العلاج، أصبح العدو لا يتوقف نحو الاستفادة من الخصم الذى يمنحه التأمين الصحى فى سعر الأدوية وهكذا.
بعض أفراد الطبقة انزلقوا إلى الطبقة الأدنى (الفقيرة)، خصوصاً هؤلاء الذين توقفت المشروعات التى يعملون بها، أو البيزنس الذى يشكل مصدر الدخل بالنسبة لهم، جراء ارتفاع فواتير التكلفة الإنتاجية وحالة الركود التى ضربت بعض الأسواق. وقد تضاعفت محنة هؤلاء بسبب تداعيات جائحة كورونا، وما أدت إليه من «وقف حال» فى العديد من القطاعات.
الشريحة العليا من هذه الطبقة -وهى الشريحة المحدودة التى تشغل قمة الهرم- استفادت نسبياً من العمل ضمن تحالفات مشروعاتية انتعشت خلال الفترة الماضية.
الطبقة الوسطى باتت بحاجة إلى «إسعاف عاجل» قبل أن تهتز أوضاعها أكثر من ذلك. ولا يخفى عليك مردود هذا الاهتزاز على مجمل المشهد الاقتصادى العام فى مصر، بما لذلك من تداعيات وآثار. تضعضع حال هذه الطبقة يمنح مؤشراً عن حال الاقتصاد، فهو ينبئ عن حجم الاستثمار والتشغيل والفرص المتاحة داخل سوق العمل، وفى الوقت نفسه تعد هذه الطبقة مصدر دخل بالنسبة للطبقات الفقيرة، من العمال والحرفيين، ومتوسطى التعليم وغيرهم. وليس هناك خلاف على أن تراجع مستويات الدخل والإنفاق لديها ينعكس سلباً على مدخولات الطبقة الفقيرة، ناهيك عن حالة الركود فى الأسواق والتى تنتج عن عجز «الوسطيين» -الطبقة الأكثر استهلاكاً- عن الشراء بسبب قلة الحيلة.
التحريك الاقتصادى للطبقة الوسطى -التى باتت تتنفس تحت الماء- هو تحريك للمجتمع ككل. وإذا كانت الحكومة قد اتخذت من الإجراءات ما يكفى لتفعيل برنامجها فى الإصلاح الاقتصادى، وبيع السلع والخدمات بسعرها العالمى، استناداً إلى مفهوم «تحرير الاقتصاد»، فعليها الآن أن تتحرك على مستويين، الأول: وضع برنامج لإصلاح الأجور، فلا يصح أن نتعامل فى الأسعار بالمنطق العالمى، وفى الأجور بالمنطق المحلى. الثانى الاتجاه بأقصى سرعة ممكنة نحو تحريك عجلة الاستثمار، والتخفيف من الضغوط على المشروعات الاستثمارية، بما يتيح فرصاً أكبر للعمل والتشغيل والكسب بصورة تؤدى إلى الخروج من دائرة وقف الحال.