توقيت القاهرة المحلي 11:21:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«محفوظ».. يصور ويرسم

  مصر اليوم -

«محفوظ» يصور ويرسم

بقلم: د. محمود خليل

تجربة نجيب محفوظ فى الكتابة تقدم لنا نموذجاً للكاتب الحر الذى أبى أن يغرد إلا بما يؤمن به، وترفع عن الانحياز إلى أية سلطة، وأنفت نفسه أن يكون من حمَلة المباخر. فانحياز الكاتب الراحل كان للبشر من أهل بلاده. لذا فقد عاش حراً مستقلاً إلا عن محيطه البشرى، الذى اجتهد فى نقل أدق أحساسيه وتفاصيل تفاعلاته مع الحياة وأحداثها، مرات بالتصوير وأخرى بالرسم.

مؤكد أن نجيب محفوظ كانت له قناعاته السياسية، لكنه لم يكن جزءاً من أية سلطة. قبل ثورة يوليو 1952 كان الراحل الكريم من المؤمنين بالفكر الليبرالى، وحق كل إنسان فى أن يكون له رأيه وفكره، وحقه فى التعبير عما يؤمن به. تجد فى كتاباته ما قبل الثورة -مثل الثلاثية- احتفاء واضحاً بحزب الوفد ودوره فى الحياة السياسة فى مصر منذ عام 1919، لكنه كان أميناً فى التعبير عن التحولات التى أعقبت السقوط الجماهيرى للحزب بعد حادثة فبراير 1942 عندما تولى النحاس باشا الحكم على أسنَّة حراب الإنجليز، ووصف ما كان يعتمل فى الشارع من تفاعلات أفرزت تنظيمات جديدة ذات طابع عنيف مثل الإخوان ومصر الفتاة والتنظيمات الشيوعية، وصور الكيفية التى انسجمت بها هذه التنظيمات حينها مع المزاج الشعبى العام الذى أصبح رافضاً للمشهد وكل القوى الفاعلة التى تلعب على مسرح السياسة.

استقلالية نجيب محفوظ كانت تدفعه باستمرار إلى أن يلعب دور «المصوراتى» الذى يحمل «كاميرا» على كتفه، ويجتهد فى نقل مشاهد الواقع بشكل أمين، دون تحريف أو تزييف. لم يهرول «نجيب محفوظ» مثل غيره من المهرولين إلى مجلس قيادة الثورة بعد 1952. كبار الكتاب والأدباء والمفكرين ذهبوا وقدموا التبريكات وعبروا عن الأمنيات الطيبة لأعضاء المجلس، خوفاً أو طمعاً، الله أعلم، لكن نجيب محفوظ لم يذهب إلى أحد، بل وتوقف عن الكتابة لعدة سنوات، ثم عاد إليها ولكن بأدوات جديدة، لا تعتمد على التصوير، بل على الرسم.

العديد من روايات نجيب محفوظ خلال الستينات وجزء من السبعينات، اعتمدت على الترميز التاريخى والدينى والإنسانى، جسَّد الاستبداد فى صورة الفتوة، والشعب فى صورة الحرافيش التى لا تهتدى إلى مكامن قوتها إلا فى لحظات محدودة من عمر الحياة. رسم رحلة الإنسان فى البحث عن العدل والحياة المثالية فى «أولاد حارتنا»، وصور الإنسان الحائر فى البحث عن طريق للخلاص فى رواية «الطريق». ورسم صورة الإرهابى فى قصة «التنظيم السرى»، وصورة الانتهازى المتسلق نبت الانفتاح فى «أهل القمة».

كتابات نجيب محفوظ كانت تتراوح بين التصوير والرسم. فعندما كانت الظروف تتيح له أن يقول ما يريد، كان ينقل صور الواقع بأمانة، ويفصل بدقة كيف تفاعل وانفعل المصريون بأحداثه. ترى ذلك واضحاً فى رواية «باقى من الزمن ساعة» التى يصف أحد أبطالها الأوضاع أواخر الستينات وأوائل السبعينات قائلاً: «لقد تحولنا إلى مرحاض عمومى كبير». وعندما كانت تضيق عليه سبل التعبير كان يلجأ إلى الرمز ورسم الصور، مثلما فعل فى «الحرافيش».

رحم الله نجيب محفوظ.. الذى تمر هذه الأيام الذكرى الـ14 لوفاته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«محفوظ» يصور ويرسم «محفوظ» يصور ويرسم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon