فى زحمة انشغال العالم بكورونا من ناحية، وبالانتخابات الرئاسية الأمريكية من ناحية أخرى، اتخذت إسرائيل قراراً ببناء 1257 وحدة استيطانية فى منطقة حساسة قُرب القدس الشرقية، فى خطة صهيونية تستهدف عزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطينى.
إنها رواية حدثية جديدة لخطة «ترامب - نتنياهو» الهادفة إلى شرذمة الواقع الفلسطينى وإهداره داخل إسرائيل.
أدانت «الخارجية المصرية» القرار، واعتبرته انتهاكاً لمقررات ما وصفته بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
بعدها استنكر الأزهر بشدة القرارات الإسرائيلية وأعرب عن رفضه القاطع وإدانته لهذه القرارات الباطلة التى تشكل انتهاكاً واختراقاً صارخاً لما وصفه أيضاً بقرارات الشرعية الدولية، وحث المجتمع الدولى وهيئاته على القيام بمسئولياتهم القانونية والأخلاقية إزاء ما يحدث.
لست أدرى على وجه التحديد ماذا فعلت «الشرعية الدولية» و«المؤسسات الأممية» فى الماضى حتى تفعل شيئاً إزاء هذا الفصل الجديد من العربدة الإسرائيلية فوق الأراضى الفلسطينية؟
كما أننى لا أفهم أيضاً القرار الذى اتخذته السلطة الفلسطينية -عقب قرار إسرائيل ببناء الوحدات الاستيطانية الجديدة- بعودة التنسيق الأمنى مع إسرائيل بشرط تأكيد الأخيرة استعدادها للالتزام بالاتفاقيات الموقعة سابقاً بين الطرفين!
منذ متى التزمت إسرائيل باتفاقياتها مع السلطة الفلسطينية؟
حقيقة الأمر أن السنوات الأخيرة شهدت تحقيق الكثير من الأحلام الإسرائيلية فى اعتبار القدس (شرقها وغربها) عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ثم ضم الجولان وإقرار أمريكا للخطوة، ثم ماراثون التطبيع الذى انطلق من الخليج إلى السودان.. والبقية تأتى.
علينا أن نعترف أن أحداثاً عدة تراكمت خلال العقود الماضية، وبلغت أشدها خلال السنوات القريبة أدت إلى أن تحقق إسرائيل كثيراً مما تريد، وأغراها بالطمع فى المزيد.
هذا التراكم الحدثى أدى إلى تحول نوعى لم تعد فيه إسرائيل «عدواً» بالنسبة للعرب، وقفز إلى صدارة المخيلة العربية أعداء جدد، مثل إيران وتركيا.
تحركات إيران وتركيا فى المنطقة تثير الريبة بالفعل. وقد يبدو منطقياً أن تقلق العديد من الدول العربية من هاتين الدولتين وتنظران إليهما نظرة عداوة.
إيران تمد أذرعها فى سوريا ولبنان والعراق واليمن وتشكل تهديداً لدول الخليج، وتركيا تضع أقدامها فى سوريا والعراق وليبيا وتطمع فى المزيد.
القلق من الدولتين مشروع، وقد تبدو نظرة العداوة إليهما مبرّرة، لكن ليس معنى ذلك بحال صداقة إسرائيل، وغضّ الطرف عن التوسّع الاستعمارى الذى تقوم به على حساب الفلسطينيين والأراضى الفلسطينية، وأيضاً على حساب السوريين والأراضى السورية.
على العرب الذين تعبوا من «الشرعية الدولية» و«المؤسسات الأممية» التى تكيل بمكيالين ويشتكون منها، ألا يكيلوا هم الآخرون بمكيالين.
على العرب أيضاً أن يفهموا أن أسباباً أخرى من داخلهم أدت إلى تهميش القضية الفلسطينية على أجندة اهتمامهم، وأن بعضهم فعل ذلك بوعى كامل، ولأسباب ترتبط بحسابات سياسية معينة.
الدنيا تدور.. والأحوال تختلف.. وما كان بالأمس ممقوتاً أصبح اليوم مرغوباً.. لكن ثمة حقيقة واحدة هى أن القضية الفلسطينية سوف تظل نابضة فى عروق العرب، ما دام هناك شعب اسمه «الشعب الفلسطينى».