بقلم: د. محمود خليل
اشتعل ما بين المهاجرين والأنصار خلال حكم يزيد بن معاوية نوع من «حروب الكلمات».
وكانت الكلمة الموجعة حينذاك محلها الشعر والقصائد التى ينشدها أصحابها بين الجموع فى المساجد والشوارع. وفى أجواء الغبن التى كان يعيشها الأنصار، وأجواء الشعور بغرور القوة من جانب القرشيين، كان يحلو للطرفين استرجاع قصائد ترتبط بأحداث بدر، وهى الحرب التى انتصر فيها الأنصار مع النبى وصحابته من القرشيين على مشركى مكة وأذاقوهم كأس المنون، وأبدع شعراؤهم عشرات الأبيات فى تخليد هذا النصر أحبوا استرجاعها فى مواجهة الحكم الأموى، وكانت قريش من ناحيتها تستعيد ما كتبه شعراؤها فى هجاء الأنصار وسبهم.
كان «حسان بن ثابت» شاعر الأنصار وشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم من أكثر من كتبوا شعراً ضد قريش دفاعاً عن النبى قبل فتح مكة. ومن بعده سطع نجم ولده «عبدالرحمن بن حسان» الذى كان يحب هجاء بنى أمية، وسخّر موهبته فى هذا الاتجاه. إلى حد أنه كتب قصيدة يشبب أو يعرّض فيها بـ«رملة بنت معاوية» نكاية فى بنى أمية، وتعامل معاوية بن أبى سفيان مع الأمر باللين وقال لعبدالرحمن: وأين أنت من أختها هند؟.
أداء «يزيد» كان مختلفاً عن أبيه معاوية كل الاختلاف، فقد كان مغروراً عصبياً ميالاً للقسوة، وليس له من الدهاء السياسى لأبيه إرث ولا نصيب. تعامل يزيد مع الأنصار بعنف لفظى واضح، فأغرى بعض الشعراء بهجاء الأنصار، لكنهم رفضوا خشية من الوقوع فى الكفر بعد الإيمان، لكن «الأخطل» استجاب وكتب هجاءه المشهور ضد الأنصار، ومطلعه: «ذهبت قريش بالمكارم والعلا.. واللؤم تحت عمائم الأنصار.. فدعوا المكارم لستم من أهلها.. وخذوا مساحيكم بنى النجار». وقد أثار هذا الكلام حفيظة الأنصار، بل وغضب بعض القرشيين المتعاطفين معهم والذين يقدرون دورهم فى الإسلام، لكن المناخ العام فى عصر يزيد كان يشعل نار العداوة والخصومة بين القرشيين والأنصار.
وقد بان هدف يزيد من إشعال نار الخصومة وصب المزيد من الزيت عليها فيما بعد، فقد كان الرجل يهيئ الأجواء للمذبحة المروعة التى انتوى ارتكابها فى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى مذبحة «الحرة» التى حكيت لك عنها بالأمس. ويستغرب القارئ لأحداث المذبحة حين يلاحظ أن 80 من إجمالى عدد من قضوا نحبهم فيها كانوا ممن حضر «بدراً» وشارك فى صناعة النصر الكبير على المشركين.
انتهت السطور التى تتحدث عن الأنصار فى كتاب التاريخ مع صعود بنى أمية إلى الحكم، لكن ذكرهم ظل باقياً خالداً فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة.
يقول الله تعالى:
«وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»..
رضى الله تعالى عن المهاجرين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصاره الأبطال الحقيقيين لحدث الهجرة المباركة.