بقلم: د. محمود خليل
جلست المواطنة البريطانية «مارجريت كينان» التى ناهز عمرها الـ90 عاماً على مقعد وثير استرخى ظهرها عليه، شمرت ذراعها، وأخذت تنظر إلى الممرضة وهى تسحب أول جرعة من لقاح كورونا -إنتاج شركة «فايزر الأمريكية»- من نوع خاص من المبردات التى تصل درجة الحرارة فيها إلى أقل من 70 درجة مئوية.
العجوز البريطانية كانت سعيدة وهى تخوض التجربة، ووصفت الجرعة بأنها خير هدية وصلتها بمناسبة عيد ميلادها الـ91 الذى ستحتفل به بعد أسبوع.
إن مسألة التطعيم مكلفة للغاية.
تقول بعض التقارير إن سعر لقاح فايزر الأمريكى يصل إلى 20 دولاراً. هناك لقاحات أخرى تطرحها بعض الدول بسعر أقل. والسباق بين الجميع على أشده لإنتاج وتسويق الجرعات اللازمة لتلقيح ملايين ممليرة من البشر.
الأمر لا يتوقف على سعر اللقاح وفقط (20 دولاراً) بل يتجاوزه إلى تكاليف أخرى أكثر أهمية، من بينها توفير المبردات القادرة على حفظه فى درجة حرارة أقل من 70 درجة مئوية. وهذا النوع من المبردات غير متوافر لدى العديد من دول العالم.
وقد صرح الدكتور ريتشارد برنان، مدير الطوارئ الصحية الإقليمى بمنظمة الصحة العالمية مؤخراً بأن: «معظم اللقاحات تحفظ فى درجة حرارة أقل من 2 درجة مئوية، لكن لقاح فايزر لا بد من حفظه فى حرارة أقل من 70 درجة مئوية، لذلك فإنه يحتاج إلى معدات فائقة البرودة، وهذا الأمر غير متاح فى أغلب البلدان».
كل دول العالم بحاجة ماسة إلى مبردات من النوع الأمريكى أو الأوروبى القادر على حفظ اللقاح. ومؤكد أن شركات إنتاج المبردات بالغرب سوف تنتعش سوقها بصورة غير مسبوقة ولن تلاحق على الطلبات الخاصة بالحصول على ما تنتجه من مبردات. والأكثر تأكيداً أن ارتفاع هامش الطلب سيؤدى إلى ارتفاع السعر وظهور الاحتكارات، مع أن المسألة فى الأول والآخر أرزاق!.
من جديد، لا تقف المسألة عند هذا الحد فهناك حاجة إلى شحن ونقل ملايين الجرعات من اللقاح إلى دول العالم المختلفة. وقد كشف موقع «المصرى اليوم» أن ثمة مشكلة فى هذا السياق تتمثل فى عدم وجود طائرة ركاب ولا حتى طائرة شحن سيكون بإمكانها الحفاظ على لقاح كورونا عند درجة حرارة مئوية تبلغ 80 تحت الصفر (سالب 112 فهرينهايت) المحددة من جانب شركة فايزر الأمريكية للقاحها.
وسواء تم تجهيز الطائرات لتكون مستعدة لنقل اللقاح أو تم وضعه فى صناديق تبريد خاصة، فالأمر يتطلب تكاليف أخرى عالية. وكله شغل.. والشغل مكسب فى الأول والآخر.
إذا أضفت سعر اللقاح -من بلاد الأمريكان- إلى سعر تكلفة النقل والشحن، إلى سعر إنشاء شراء وتجهيز المبردات اللازمة لحفظه، إلى سعر الحقن، إلى ربح الجهة التى ستمنح اللقاح، فبإمكانك أن تتصور الرقم النهائى لبيعه. وإذا ضربت الرقم الذى حصلت عليه فى عدد الملايين الذين يرغبون فى التطعيم فسوف تخرج برقم خزعبلى.
والسؤال: بعيداً عن جدوى اللقاح التى لم تتحدد بعد.. كيف ستتصرف دول العالم الثالث وماذا سيفعل مواطنوها الغلابة.. وأيهما أخف وطأة على اقتصاديات الدول: الإغلاق والوقاية.. أم الفتح وتحمل التكلفة الخزعبلية للتطعيم؟.
ربنا يسترها على عبيده.