توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كبير المقاطيع

  مصر اليوم -

كبير المقاطيع

بقلم: د. محمود خليل

كثيراً ما أقف متأملاً أمام المعنى الإنسانى البديع الذى يحمله الحديث النبوى الشريف الذى يقول «إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى».

هذه الحكمة العميقة جاءت فى سياق حديث النبى صلى الله عليه وسلم عن يُسر الإسلام كعقيدة إنسانية تقدِّر ضعف الإنسان وتنهاه عن الغلو والمبالغة وتنصحه بالرفق بنفسه وغيره فى جميع الأمور والمواقف.

يوضح المفسرون معنى «المنبَتّ» ويقولون إنه الإنسان الذى انقطع به السبيل. تعافى على نفسه وعلى الراحلة التى يمتطيها وأراد أن يقطع مسيرة أسبوعين فى 10 أيام، فضغط على نفسه ولم يرحم جسده فواصل الليل بالنهار، وأرهق راحلته وتعسف معها حتى تقطع الطريق بسرعة أكبر، وبعد حين بلغ الإرهاق بها مبلغه، نخت الراحلة وبركت به على الأرض، وأصبحت عاجزة عن السير.

والنتيجة أنه لم يبلغ مقصده، ولم يستطع الوصول إلى حيث أراد الذهاب، وفى الوقت نفسه لم يعد أمامه سبيل إلى العودة إلى نقطة انطلاقه، لأن الراحلة باتت عاجزة عن السير.. أصبح مقطوعاً.

المنبت إذن هو الإنسان «المقطوع». ولو أنك فتشت من حولك فستجد نماذج متنوعة لهؤلاء المقاطيع فى الحياة العادية وفى دنيا النجوم.

فى الحياة العادية ستجد نماذج لأشخاص ضحكت لهم الدنيا فجأة، فاستجدت ظروف دفعت بأحدهم إلى منصب كبير، أو وظيفة مرموقة ذات مرتب خيالى، أو ربح فى تجارة لم يكن يتوقعه، أو غير ذلك، فتجده يهرول إلى «شقلبة» حياته، فيزهد فى بيت عاش فيه ويطمح إلى «فيلا» أو «قصر»، وتعاف نفسه السيارة التى يركبها، ويطمع فى سيارات «الكعب العالى»، ويخرج أبناءه من المدارس متوسطة المصروفات ويلحقهم بمدارس «ولاد الأكابر».

يظل يجرى ويجرى فى سوق «المتعة والإنفاق» حتى يفرغ جيبه. فلا يستطيع أن يصل إلى «الفيلا» أو «القصر» الذى دفع مقدمة ثمنه، ثم عجز عن تسديد الأقساط، وأصبح غير قادر على امتطاء سيارة «الكعب العالى» التى عجز أيضاً عن تسديد أقساطها أيضاً، وقِس على ذلك ما تبقى من بنود إنفاقه.

الدنيا كما تضحك تغضب، وكما تُعطى تأخذ، وكما تيسر الظرف الذى يهيِّئ للصعود، تتقلب أحوالها لتزلزل حياة الإنسان بظرف صعب معاند، يصبح معه الإنسان عاجزاً عن بلوغ قصده أو العودة إلى النقطة التى انطلق منها، فيمسى بلا ظهير.

بإمكانك أيضاً أن تراجع حياة النجوم وستجد نماذج أخرى متنوعة لهؤلاء المقاطيع. أشخاص كانوا بالأمس ملء السمع والبصر، يتكلمون وحدهم، وإذا تكلم غيرهم أمطروه بوابل من القذائف الكلامية، وهددوه بالويل والثبور وأعاظم الأمور، وقدموا أنفسهم على أنهم أصحاب مكانة وحصانة تجعلهم فوق المساءلة.

أحدهم عادى الناس جميعاً، ولم يترك لنفسه خط رجعة مع أحد، وشعر فى لحظة من اللحظات بأنه فوق الجميع، ثم تقلبت الدنيا به، ففقد المكانة والحصانة، وتقلبت الظروف وأعطته الدنيا قفاها، وقلبت له وجهها، فأصبح «كبير المقاطيع» المنبَتّين، الذين لا يملكون السير للأمام خطوة، وليس فى مكنتهم العودة إلى حيث بدأوا.. وأصبحوا يدندنون مع عبدالحليم حافظ الجملة النزارية الرائعة: «لو أنى أعرف خاتمتى ما كنت بدأت».

كذلك يغنى "كبير المقاطيع"!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كبير المقاطيع كبير المقاطيع



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon