توقيت القاهرة المحلي 13:08:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كبير المقاطيع

  مصر اليوم -

كبير المقاطيع

بقلم: د. محمود خليل

كثيراً ما أقف متأملاً أمام المعنى الإنسانى البديع الذى يحمله الحديث النبوى الشريف الذى يقول «إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى».

هذه الحكمة العميقة جاءت فى سياق حديث النبى صلى الله عليه وسلم عن يُسر الإسلام كعقيدة إنسانية تقدِّر ضعف الإنسان وتنهاه عن الغلو والمبالغة وتنصحه بالرفق بنفسه وغيره فى جميع الأمور والمواقف.

يوضح المفسرون معنى «المنبَتّ» ويقولون إنه الإنسان الذى انقطع به السبيل. تعافى على نفسه وعلى الراحلة التى يمتطيها وأراد أن يقطع مسيرة أسبوعين فى 10 أيام، فضغط على نفسه ولم يرحم جسده فواصل الليل بالنهار، وأرهق راحلته وتعسف معها حتى تقطع الطريق بسرعة أكبر، وبعد حين بلغ الإرهاق بها مبلغه، نخت الراحلة وبركت به على الأرض، وأصبحت عاجزة عن السير.

والنتيجة أنه لم يبلغ مقصده، ولم يستطع الوصول إلى حيث أراد الذهاب، وفى الوقت نفسه لم يعد أمامه سبيل إلى العودة إلى نقطة انطلاقه، لأن الراحلة باتت عاجزة عن السير.. أصبح مقطوعاً.

المنبت إذن هو الإنسان «المقطوع». ولو أنك فتشت من حولك فستجد نماذج متنوعة لهؤلاء المقاطيع فى الحياة العادية وفى دنيا النجوم.

فى الحياة العادية ستجد نماذج لأشخاص ضحكت لهم الدنيا فجأة، فاستجدت ظروف دفعت بأحدهم إلى منصب كبير، أو وظيفة مرموقة ذات مرتب خيالى، أو ربح فى تجارة لم يكن يتوقعه، أو غير ذلك، فتجده يهرول إلى «شقلبة» حياته، فيزهد فى بيت عاش فيه ويطمح إلى «فيلا» أو «قصر»، وتعاف نفسه السيارة التى يركبها، ويطمع فى سيارات «الكعب العالى»، ويخرج أبناءه من المدارس متوسطة المصروفات ويلحقهم بمدارس «ولاد الأكابر».

يظل يجرى ويجرى فى سوق «المتعة والإنفاق» حتى يفرغ جيبه. فلا يستطيع أن يصل إلى «الفيلا» أو «القصر» الذى دفع مقدمة ثمنه، ثم عجز عن تسديد الأقساط، وأصبح غير قادر على امتطاء سيارة «الكعب العالى» التى عجز أيضاً عن تسديد أقساطها أيضاً، وقِس على ذلك ما تبقى من بنود إنفاقه.

الدنيا كما تضحك تغضب، وكما تُعطى تأخذ، وكما تيسر الظرف الذى يهيِّئ للصعود، تتقلب أحوالها لتزلزل حياة الإنسان بظرف صعب معاند، يصبح معه الإنسان عاجزاً عن بلوغ قصده أو العودة إلى النقطة التى انطلق منها، فيمسى بلا ظهير.

بإمكانك أيضاً أن تراجع حياة النجوم وستجد نماذج أخرى متنوعة لهؤلاء المقاطيع. أشخاص كانوا بالأمس ملء السمع والبصر، يتكلمون وحدهم، وإذا تكلم غيرهم أمطروه بوابل من القذائف الكلامية، وهددوه بالويل والثبور وأعاظم الأمور، وقدموا أنفسهم على أنهم أصحاب مكانة وحصانة تجعلهم فوق المساءلة.

أحدهم عادى الناس جميعاً، ولم يترك لنفسه خط رجعة مع أحد، وشعر فى لحظة من اللحظات بأنه فوق الجميع، ثم تقلبت الدنيا به، ففقد المكانة والحصانة، وتقلبت الظروف وأعطته الدنيا قفاها، وقلبت له وجهها، فأصبح «كبير المقاطيع» المنبَتّين، الذين لا يملكون السير للأمام خطوة، وليس فى مكنتهم العودة إلى حيث بدأوا.. وأصبحوا يدندنون مع عبدالحليم حافظ الجملة النزارية الرائعة: «لو أنى أعرف خاتمتى ما كنت بدأت».

كذلك يغنى "كبير المقاطيع"!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كبير المقاطيع كبير المقاطيع



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon