توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أصحاب رسول الله

  مصر اليوم -

أصحاب رسول الله

بقلم: د. محمود خليل

بداية نقول إن الصورة الراسخة لأى من صحابة النبى فى الذاكرة المسلمة تمتاز بقدر كبير من النقاء والمثالية، وتنظر إلى أخطائهم كهنّات بشرية يصح العبور عليها. هذه الصورة الشعبية للصحابة لها ما يُبرّرها تاريخياً إذا نظرنا إلى الدور الذى قام به هذا الجيل فى حمل الإسلام والدفاع عنه والتضحية من أجله ونشره فى ربوع الأرض، وإن كان من الصعوبة بمكان أن نضع حدوداً دقيقة فاصلة بين مساحات الدفاع عن الإسلام واستهداف تحقيق أهداف شخصية أو دنيوية لدى بعض من أفراد هذا الجيل فى سياق بعض المواقف. وأياً ما كان الأمر، فإن أحداً لا يستطيع أن يغمط أفضلية هذا الجيل من المسلمين الذى تربى فى حجر النبوة، وعاصر الإسلام فى طزاجته الأولى، حين كان وحى السماء يتدفّق بآيات الذكر الحكيم إلى النبى، صلى الله عليه وسلم.

مكمن الخطورة فى الصورة الشعبية عن جيل الصحابة يتعلق بالنظرة التى أورثتها لدى أجيال متتالية من المسلمين برفع أفراد هذا الجيل فوق مستوى البشر، وصبغهم بنوع من العصمة التى لا تجوز إلا على الأنبياء والرسل. ومن يقرأ كتب التراث ويتدبّر سطور ما حكته عن الصحابة، سيجد أنه أمام بشر مجتهدين، وأن الاجتهاد كان يأخذ بأيديهم إلى الصواب فى أحيان، وإلى الخطأ فى أحيان أخرى، ويجد القارئ لهذه الكتب محاولات لتبرير الأخطاء، وفى الوقت نفسه يلحظ حشداً احتفائياً عجيباً بكل صحابى، ورواية لأقوال وأحداث ومواقف تضعه فى صورة مفرطة فى مثاليتها ونقائها وبراءتها. وحقيقة الأمر فإن القارئ المحايد لما سجلته كتب التراث عن صحابة النبى، صلى الله عليه وسلم، يستطيع أن يتفهّم الأخطاء التى وقع فيها بعض أفراد هذا الجيل، فهم فى النهاية بشر، وينطبق عليهم كل ما ينطبق على بنى آدم: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»، وبإمكانه أيضاً أن يستوعب أن من أخطأ من صحابة النبى كان سرعان ما يتوب عن خطئه ويتبع الحق حين يبصره: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ»، أما المساحات التى تقدم صورة «فوق بشرية» للصحابة داخل كتب التراث فلا تزيد عن الحكاوى التى لا تخلو من مبالغات، ولا تبرأ من خلط الرواة بين الأخبار الحقيقية والأخبار الملفقة.

كان الصحابة يخطئون فى وجود النبى، صلى الله عليه وسلم، نفسه وسجلت بعض آيات القرآن الكريم هذه الأخطاء. يقول الله تعالى فى سورة آل عمران: «وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِى الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ». تشير هذه الآية إلى ما حدث فى معركة أحد حين عصى الرماة أمر النبى، صلى الله عليه وسلم، وسارعوا إلى جمع الغنائم لما رأوا الغلبة فى بداية المعركة للمسلمين، مما أغرى مشركى مكة بإعادة الكرّة عليهم وهزيمتهم. وعندما عاد المحاربون إلى المدينة يجرجرون جراحاتهم أخذوا يتساءلون: أين نصر الله الذى وعد؟. فنزلت هذه الآية لتشير إلى أن الله ينصر من يأخذ بأسباب النصر، واتهم الصحابة بـ«الفشل والتنازع»، وأن منهم «من يُرِيدُ الدُّنْيَا»، ثم بشّرتهم الآية الكريمة بعفو الله تعالى عنهم وتجاوزه عن أخطائهم. إذاً كان الصحابة بشراً عاديين يخطئون ويصيبون، لأنهم غير معصومين، لكنهم كانوا يسارعون إلى التوبة عما يقع منهم فيتوب الله تعالى عليهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصحاب رسول الله أصحاب رسول الله



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon