بقلم: د. محمود خليل
التعصب، أياً كان موضوعه، آفة.. ولكن يبقى أنه سمة من سمات غالبية البشر، فأكثر الناس يتعصب وينحاز، ومَن ينعى على غيره التعصب فى مجال، قد يكون غارقاً حتى أذنيه فى التعصب على مستوى آخر.
التعصب أشكال وألوان، قد يأخذ شكل التعصب للدين أو الجماعة أو الأسرة أو القبيلة أو الفريق الرياضى.
التعصب حالة إنسانية قد تأخذ شكلاً موضوعياً، ينحاز فيه الفرد إلى ما يجده أفضل أو أنجح أو أكثر قدرة على الإنجاز أو أكثر إعلاءً لقيمة الإنسان، وأشد دفاعاً عن الخير فى الحياة، وقد يأخذ شكلاً مرضياً يجعل الإنسان ينظر حوله فلا يرى إلا نفسه وقناعاته وما يؤمن به، دون أن يحترم حق الآخر فى الإيمان بما يختلف معه أو يناقضه.
التعصب المريض حالة من حالات «الإحساس بالكبْر»، ولا أجد تعريفاً للكبْر أجمل من التعريف الذى قدمه النبى صلى الله عليه وسلم، حين قال: «الكبْر بطَر الحق وغمط الناس».
كذلك يفعل التعصب بصاحبه، يكون الحق واضحاً جلياً أمامه، ورغم ذلك ينكره ويرفض الاعتراف به، يرى غيره يؤدى فى الحياة بكفاءة ونجاح وتميز، فيهيل التراب على كل ذلك وتأبى عليه نفسه المتكبرة الاعتراف بما حققه.
المتعصب يؤدى وهو مدفوع بالكبْر، و«الكبْر» حالة مرضية جوهرها الإحساس بالهزيمة، فكلما أحس الإنسان بالهزيمة تعصَّب وتطرَّف فى تعصبه وأتى بما يُخجل.
ولو أنك فتشت فى حالات التعصب التى ظهرت فى بر المحروسة، وأبرزها التعصب الدينى والتعصب الكروى، فستجد أنها قفزت إلى سطح الواقع المصرى بعد هزيمة يونيو 1967، فظهر التعصب الدينى بصوره المريضة، وبرز التعصب الكروى بأشكاله المشوَّهة.
مَن عاصر الفترة التى سبقت نصر أكتوبر 1973 يتذكر مباراة كرة القدم الشهيرة بين الأهلى والزمالك، وما شهدته من أحداث مؤسفة اشتبك فيها جمهور الفريقين ولاعبوهما وإداريوهما على أرض الملعب وعلى الهواء مباشرة، بسبب ضربة جزاء تم احتسابها للزمالك وأحرز منها فاروق جعفر هدفاً فى مرمى النادى الأهلى الذى كان يحرسه فى ذلك الوقت مروان كنفانى، إن لم تخنى الذاكرة.
كان المشهد مروعاً بقدر ما كان معبراً عن حالة الإحباط التى عاشها المصريون خلال السنوات الست الفاصلة بين 67 و73. الإحساس بالهزيمة وتأخُّر معركة التحرير برجَل تفكير المصريين وأسقطهم فى بئر سحيقة من الغضب المغلف بالإحساس بالعجز، وكانت النتيجة أن انطلقت تلك المشاعر المكبوتة مع أول فرصة تسنح، فانخرط المصريون «أهلاوية وزملكاوية» فى معركة فى الملعب وفى الشوارع والحوارى والأزقة.
اضطرت الحكومة الساداتية بعدها إلى وقف مسابقة الدورى العام، لكن ذلك لم يوقف عراكات المصريين حينها الذين اندفعوا بأحاسيس العجز والغضب وغيرهما من المشاعر التى ولَّدتها الهزيمة إلى السقوط فى مستنقع التعصب، فباتوا يتعاركون مع بعضهم البعض لأقل الأسباب وأتفهها.
التعصب المريض هو أكبر خطر يمكن أن يضرب أمة من الأمم أياً كان موضوعه.. وطقوس التحيز الأعمى فى مجتمعنا أصبحت منذرة.
انتبهوا أيها السادة!.