يخطئ العرب إذا تصوروا أن أحداً سيخوض عنهم معاركهم أو سيدافع عنهم بالوكالة.
النظر جهة الغرب والعشم فى الأمريكان أو جهة الشرق وتوقع الدعم من إسرائيل يعبِّر عن حسابات تفتقر إلى الدقة فى قراءة حقائق التاريخ ووقائع الحاضر.
يعتبر العرب أن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك إسرائيل قادرتان على حمايتهم من الأطماع الإيرانية فيهم. ولا يلتفتون إلى تحولات الواقع الذى يعيشون فيه.
الطرفان الأمريكى والإسرائيلى يستثمران فى حالة القلق العربى من التمدد الإيرانى فى المنطقة والانزعاج من المشروع النووى والصاروخى الذى تتبناه طهران. والمسألة لا تتعلق بحماية البترول، قدر ما تتصل بالثروات المالية العربية.
المسألة واضحة وضوح الشمس.
البترول الذى مثَّل أهم وأبرز ثروة يحرص الغرب الذى تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية على حمايته فى أرض العرب، لم يعُد يتمتع بنفس القيمة التى تمتع بها فى فترات تاريخية سابقة.
بإمكانك أن تقارن بين التأثير المزلزل لقرار وقف إمدادات البترول العربى عن الدول الغربية الداعمة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973 والتأثير الخامل لسلاح النفط خلال الفترة الحالية.
لم يعُد للبترول القيمة التى كان يتمتع بها سابقاً، فالولايات المتحدة لديها ما يكفى منه، والبترول الصخرى أصبح ينتج بكميات كبيرة وبتكلفة معقولة، والطاقة الشمسية تزحف بسرعة لتقدم بديلاً نظيفاً لما يطلق عليه الوقود الأحفورى، والسيارة الكهربائية توشك أن تحل محل السيارة التى تسير بالوقود التقليدى.
الزمان اختلف، وحماية البترول العربى لم يعد يشكل همّاً لصانع القرار الأمريكى، وأى تدخل حمائى لا بد أن يكون مدفوع الثمن. والطمع فى المال العربى والثروات المتراكمة عن بيع النفط خلال العقود الماضية بات واضحاً.
أى تحريك لقطع عسكرية أو قوات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية له ثمنه. ولست أظن أن الهدف منه هو الدخول فى حرب مع إيران كما يظن بعض الساسة العرب. فالولايات المتحدة وكذلك إسرائيل تعلمان الكلفة الكبيرة التى يمكن أن تترتب على الحرب مع إيران.
الولايات المتحدة تعلمت من درس العراق، بعد ما جنته من خسائر هناك، وخصوصاً على المستوى الاقتصادى، أدت إلى أزمة اقتصادية كبرى عام 2008.
ومؤكد أن صانع القرار الأمريكى يعلم أن النتائج المترتبة على الهجوم على إيران ستكون أضعاف ما ترتب على الهجوم على العراق عام 2003.
مؤخراً واجهت منظمة أوبك مشكلات عديدة واختلافات كبيرة حول خفض الإمدادات البترولية، ولم تفلح فى الوصول إلى حل يؤدى إلى حماية سعر البترول من الانخفاض، والسبب فى ذلك رغبة بعض الدول العربية فى بيع أكبر كمية ممكنة بسبب حاجتها إلى المال.
أمريكا تفرح للغاية بمثل هذه الخلافات، فهى من ناحية تحفظ لها سعر البترول عند مستوى معقول، يساعدها على الاحتفاظ بمخزونها، ومن ناحية أخرى يوفر المال اللازم لتقديم ستار الحماية من الأطماع الإيرانية.
ربح «ترامب» كثيراً من معادلة «القلق العربى» من إيران. ومن الواضح أن «بايدن» هو الآخر سيفكر فى الحصول على نصيب إدارته من الربح، ولكن بطريقته الديمقراطية التى تقوم على توسيع وتمديد الاتفاق النووى مع إيران لتدخل فيه دول أخرى عربية.
وكله بتمنه!.