بقلم : محمود خليل
بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، مارس الصحابة الصراع على الحكم كما تمارسه أية مجموعة بشرية. ودعك من الصور المبالغ فيها التى كان رسمها كتّاب التراث أو اشتملت عليها العبارات التى جاءت على لسان بعض الشخصيات التاريخية، مثل شخصية معاوية بن أبى سفيان حين وصف الشيخين قائلاً: «أما أبوبكر فلم يرد الدنيا، وأما عمر فأرادته فلم يردها». فالمتأمل لأحداث سقيفة بنى ساعدة سيجد أن الصراع بين المهاجرين والأنصار على الحكم بلغ الذروة، وكاد أن يتحول فى لحظة إلى صراع دموى. فقد رفض عمر بن الخطاب فكرة أن يكون الأمراء من المهاجرين والوزراء من الأنصار، وقال: «سيفان فى غمد واحد لا يكونان».
ويروى صاحب «السيرة الحلبية» أنه بعد استقرار الأمر على مبايعة أبى بكر كخليفة للمسلمين وانفض الجمع المؤيد لتولية سعد بن عبادة (الأنصارى) الخلافة، صرخ عمر بن الخطاب: «اقتلوا سعداً قتله الله، ثم قام عمر، رضى الله عنه، على رأس سعد، وقال: قد هممت أن أطأك حتى تندر عيونك، فأخذ قيس بن سعد، رضى الله عنهما، بلحية عمر، رضى الله عنه، وقال: والله لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفيك جارحة، فقال أبوبكر: مهلاً يا عمر الرفق الرفق ها هنا أبلغ، فقال سعد: أما والله لو كان لى قوة على النهوض لألحقتك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع».
وإذا كان الصراع على الحكم قد أخذ شكل الملاسنة اللفظية الخشنة فى السنوات الأولى التى أعقبت وفاة النبى فقد بادرت الأيدى بعد ذلك إلى سحب السيوف من أغمادها، وإشهارها فى وجه المخالفين فى الرأى أو الرؤية. أشهر جماعة من المسلمين غير الراضين عن حكم عثمان بن عفان السيف فى وجهه واغتالوه وهو صائم، وعاثت هذه الجماعة فى المدينة فساداً بعد ذلك. ومنذ اليوم الأول لتولى على بن أبى طالب أمر الخلافة واجه قوى عديدة كانت ترفض وجوده على مقعد الخليفة، ومن بين هذه القوى «أصحاب الجمل» الذين قادتهم عائشة أم المؤمنين والصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، و«أصحاب معاوية» الذين انحازوا إليه فى الشام وقد واجههم «على» فى موقعة «صفين»، وتخلف عن المواجهة «مقتلة عظيمة» بين المسلمين. وبعد اغتيال على بن أبى طالب على يد أحد الخوارج واستتباب الأمر لمعاوية أراد أن يبنى ملكاً عضوضاً (وراثياً) واستخدم كل وسائل الإغراء بالمال والقهر بالسيف للحصول على البيعة لولده «يزيد».
ولست أقصد من سرد الحوادث السابقة النيل من شخوص الصحابة، رضوان الله عليهم، لكننى أريد التأكيد أنهم كانوا بشراً يتعاملون فى ظروف وسياقات فرضت عليهم اللجوء إلى ما لجأوا إليه من أجل المحافظة على الأمة، وكان كل منهم أحرص من أخيه على القيام بأمرها، وكل منهم كان يجتهد لنفسه من أجلها فيخطئ ويصيب، وجميعهم كانوا مؤهلين للنهوض بهذا العبء الثقيل، لكنهم فى النهاية كانوا أبناء ظروفهم، وأدوا تبعاً لمقتضيات الظرف.