توقيت القاهرة المحلي 18:05:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نادى "السادة والعبيد"

  مصر اليوم -

نادى السادة والعبيد

بقلم: د. محمود خليل

يتحور البشر لكنهم لا يتغيرون. فطبيعتهم الأساسية الميالة إلى التعصب والتطرف تكاد تكون ثابتة.

مات هتلر فى ألمانيا لكنه تحور فى مئات «الهتالر» الجدد الذين ينادون مثلما نادى بتنقية العرق الأبيض ومعاداة غيره ونبذه، بل والتخلص الكامل منه إذا أتيحت الفرصة.

مات الآباء المؤسسون لتميز «العرق الأبيض» على «السود» فى الولايات المتحدة الأمريكية، لكنهم تحوروا فى آلاف اليمينيين المتطرفين الذين ينادون بالفكرة ذاتها، وودوا لو عادوا بالزمن إلى الوراء ليستبد السيد الأبيض بالعبد الأفريقى ويسومه سوء العذاب.

فى الشرق مات أصحاب البيوت الكبيرة من التجار والأعيان، تلك البيوت التى كانت تحتشد بجوارى القوقاز والعبيد والإماء من الأفارقة، لكنهم تحوروا فى سادة مال جدد يتزاحم فى بيوتهم الخدم والحشم والعبيد والإماء الذين تم استيرادهم بالمال ليعيدوا بناء المشاهد القديمة فى بيوت المماليك.

الإنسان يتحور لكنه لا يتغير، لأنه يعيش أسير فكرة.

البشر تجرى عليهم جميعاً سنة الموت، فيؤويهم التراب فى نهاية الرحلة، لكن الأفكار لا تموت، إنها مثل العنقاء، التى تختفى فى التراب فجأة، لكنها تظل تتلوى حتى تطل بوجهها من جديد ما وجدت الظرف المواتى والمناخ المناسب للظهور.

وقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة التى يسرت للبشر التواصل السهل السريع العابر لحدود الزمان والمكان فرصة لتداول أفكار عديدة كان يظن الناس أن النسيان قد طواها فيما طوى.

على موائد التواصل الاجتماعى أصبحت وجبات التعصب والتطرف والانغلاق على الفكرة المتداولة داخل المجموعة «تعيينا» أساسياً يلتهمه الأفراد على مدار الـ24 ساعة.

ترتكز هذه المواقع على فكرة «المجموعة المغلقة» على أعضائها وعلى ما يؤمنون به من أفكار. والانغلاق يحول دون المجموعة والتفاعل مع أفكار غيرها من المجموعات، بل على العكس يشعل نار الغضب ضد الأفكار المخالفة.

هذه الفكرة المخالفة قد تكون عقيدة أو فهماً لعقيدة أو رأياً سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو تعليمياً أو إنسانياً أو خلافه، يرفض أفراد المجموعة استقباله أو مناقشته، لأنهم يعتبرون مجموعتهم «نادى أصحاب الحقيقة». فهم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة ورأيهم هو الصحيح، وغيرهم يهذى أو «يهرتل»، وبالتالى فعلى من يستمع إلى الآخر الاستعانة بما لديه من مخزون شمعى ليصم به أذنه عن الاستقبال.

التعصب الأعمى للفكرة والمصادرة الشمعية على المخالفين لها هو السبب فى نفور «عرق السيادة» على الشخص، ليستدعى من متاحف التاريخ أكثر الأفكار رداءة وأشد التجارب الإنسانية سوءاً ليجعل منها قاعدة ووقوداً لتعصبه.

الديمقراطية التى تعتمد على مبدأ التعددية والتنوع ما بين البشر، مع المساواة بينهم فى الحقوق، تشكل الأساس الذى قامت عليه الدولة الحديثة.

الحرب الأساسية التى يخوضها اليمين المتطرف فى الغرب والشرق هى «حرب ضد الديمقراطية»، يحدث ذلك حتى فى الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر دول العالم رسوخاً فى الإيمان بحق الشعب فى الاختيار.

والبديل الذى يحلم به اليمينيون المتطرفون دولة تقوم على فكرة سيادة عرق أو دين أو لغة أو مؤسسة أو جماعة على ما عداها، دولة يحكمها «السادة» ويرضخ فيها العبيد.

سوف يظل أمثال هؤلاء يصرخون بجنونهم، ولن يحققوا شيئاً، لأنهم ببساطة يعملون ضد حركة التاريخ ومنطق العقل وحكمة الأديان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نادى السادة والعبيد نادى السادة والعبيد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon