بقلم: د. محمود خليل
ظاهرة «الإسلاموفوبيا» قديمة وليست وليدة لحظة قريبة عشناها أو لحظة حالية نعيش فى ظلالها. فتوجس الغرب من الإسلام والخوف ممن يشير اسمه أو بطاقة هويته إلى أنه مسلم مسألة قديمة تجد جذورها فى الكتابات الغربية منذ قرون طويلة مضت.
فى العصر الحديث فرضت الظاهرة نفسها من جديد على الغرب بالتزامن مع أحداث حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. فعندما قررت الدول العربية النفطية وقف تصدير البترول إلى الدول الغربية المساندة لإسرائيل عادت أحاديث الإسلاموفوبيا لتفرض نفسها على وسائل الإعلام الغربى، وباتت الرسوم المسيئة إلى العربى الذى يرتدى العقال والجلباب وينفق دولارات النفط فى بيوت المتعة وعلى موائد القمار جزءاً لا يتجزأ من الوجبات الإعلامية التى تقدمها وسائل الإعلام للجمهور الغربى.
آثر ساسة الغرب وقتها أن يؤكدوا على أن العرب قرروا قطع إمدادات البترول عنهم لأنهم «مسلمون» متعصبون، رغم أنهم كانوا يعلمون أن «حسبة» العرب كانت سياسية فى ظاهرها واقتصادية فى باطنها، ولم يكن الإسلام حاضراً فيها من قريب أو بعيد.
فى الداخل العربى حاول البعض إضفاء سمت أو طابع دينى على حرب أكتوبر، من خلال الإشارة إلى صيحات الجنود المصريين أثناء العبور بعبارة «الله أكبر»، والحديث عن الرؤيا التى رأى فيها الشيخ عبدالحليم محمود فى منامه الجنود المصريين يعبرون القناة، ولما حكاها للرئيس السادات اطمأن إلى قرب نصر الله واتخذ قرار العبور.
لم يضع البعض هذا الكلام فى موضعه الحقيقى كجزء من الثقافة السائدة لدى المصريين، وبالغ فى الحديث عنه وقفز على الحقيقة التى تقول إن انتصار المصريين فى أكتوبر كان مرده حسن الإعداد والتخطيط من جانب القيادة وبسالة الجندى المصرى فى خوض معركة تحرير الأرض. ومثلما حاول البعض داخل مصر وعدد من الدول العربية إضفاء طابع دينى على حرب أكتوبر، اجتهد ساسة وإعلاميو الغرب فى إضفاء طابع دينى أيضاً على قطع إمدادات البترول عن الغرب، فى محاولة ساذجة لقلب الحقائق على الأرض.
كارت «اتهام» الغرب للعرب بالتعصب الدينى واحد من الكروت القديمة المتجددة التى لعبت دوراً فى تشكيل العلاقة بين الطرفين، واستهدف الغرب من خلالها الضغط على أعصاب العرب.
ولو أنك راجعت خطبة اللورد كرومر - المعتمد البريطانى فى مصر- التى ألقاها فى وداع المصريين عام 1907 فستجد أنه اتهم المصريين فيها بالتعصب الدينى. يومها رد عليه أحمد لطفى السيد وفند دعواه الباطلة ودعاه إلى النظر إلى حال المصريين الذين يضربون أروع مثال فى التعايش ما بين الأديان المختلفة، دون أن يجور أحدهم على أحد. لقد أراد «كرومر» الضغط على أعصاب المصريين، حتى يبرر احتلال بلاده لهم. وقد ورث أحفاده فى الغرب الفكرة ودأبوا على توظيفها.
ولعلك تذكر أحاديث «بوش الابن» رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عن العراق واتهام النظام الحاكم فيها بإيواء تنظيم القاعدة، وامتلاك أسلحة دمار شامل، وغير ذلك من أحاديث ثبت أنها كاذبة، ولم يكن لها أى أساس فى الواقع، ليبدأ بعدها رحلة غزو العراق عام 2003، وتهيئة المناخ لزراعة أشر التنظيمات الإرهابية التى عرفها العالم: تنظيم «داعش».