بقلم: د. محمود خليل
بعد فتح مكة دخل الكثير من مشركيها فى الإسلام، على سبيل الخضوع للأمر الواقع، وذلك بعد تفوق المسلمين (مهاجرين وأنصار) عليهم. أطلق المسلمون «الأصلاء» على مسلمى الفتح وصف «الطلقاء»، على سبيل الاستعارة من قول النبى لأهل مكة بعد أن تمكن منهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». أغلب أفراد العائلة الأموية كانوا من الطلقاء، وكان لهم ثأر قديم مع أهل يثرب الذين حاربوا فى بدر وقتلوا كبار القرشيين، ومن بينهم نفر من بنى أمية.
ولعلك تعلم أن هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان -زعيم بنى أمية- واجهت بمفردها مقتلة كبيرة فى صفوف عائلتها خلال حرب «بدر»، فقد قتل فى الواقعة أبوها «عتبة» وشقيقها «الوليد بن عتبة» وعمها «شيبة». ولعلك تعلم أيضاً ذلك الطرف من الحوار الذى دار بينها وبين النبى عندما جاءت تبايعه، فقال لها صلى الله عليه وسلم: «تبايعيننى على ألا تقتلين أولادك من إملاق» فردت عليه قائلة: «ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً» فى إشارة إلى المقتلة التى وقعت فى صفوف القرشيين يوم بدر، واتهم أغلب أهل مكة «الأنصار» بتولى كبرها.
آمن الطلقاء وفى نفوسهم شىء من الوجد أو الحسد على ما بلغه النبى صلى الله عليه وسلم من مكانة بفضل ربه وبدعم الأنصار الذين استقبلوه فى ديارهم وشكلوا قوام جيشه الذى حارب قريشاً فى بدر. لذلك فقد جدت أمور كثيرة على مشهد العلاقة بين المهاجرين والأنصار عندما وقع الحكم فى حجر الأمويين، بدءاً من عصر معاوية بن أبى سفيان. لم ينس القرشيون تفوقهم بـ«العصبية» ولم ينس الأنصار ما وقع لهم من «غبن» على يد من مدوا لهم يد النصر والتأييد والاحتواء أيام النبى صلى الله عليه وسلم.
منذ فترة مبكرة لعب الأنصار على وتر الخلاف بين حزبى بنى أمية وبنى هاشم القرشيين، وأظهروا فى كل المواقف انحيازهم لأهل بيت النبى، فأيدوا علياً بن أبى طالب، ومن بعده انحازوا للحسن بن على. فى كل المواقف أبدى الأنصار معارضة عنيفة للأمويين دفعوا ثمنها يوم «الحرة» عندما ثاروا على الوالى الأموى على كل من المدينة ومكة، وتمردوا على يزيد بن معاوية، فما كان من الأخير إلا أن حرك قواته إليهم ليقوموا بمذبحة رهيبة فى صفوف الأنصار، ويستبيحوا المدينة ثلاثة أيام. وبدا الأمر وكأنه مذبحة عنصرية تستهدف استئصال شأفة الأنصار من الأرض على يد حفيد أبى سفيان بن حرب وهند بنت عتبة.
وقعت أحداث المذبحة المروعة فى عام 63 هجرية وقتل فيها أكثر من 700 فرد من الأنصار. وقد يكون ثمة علاقة بين أحداث «الحرة» واستشهاد الحسين بن على قبلها بعامين (10 محرم عام 61 هجرية). مما يؤشر من جديد إلى العلاقة الوطيدة التى ربطت بين الأنصار وأهل بيت النبى، حيث رأوا فيهم العوض عن الغبن الذى عانوا منه على يد «قريش»، لكن الله شاء أن يكون مقتل الأنصار -رضى الله عنهم أجمعين- فى تشيعهم.