بقلم : محمود خليل
تجديد فكر أو رؤية الشعوب لا يتم بقرار، بل بإرادة الناس. فعندما تتراكم التجارب الإنسانية وتُحدث التحولات التكنولوجية أثرها فى العقل يصح أن يتغير سلوك الإنسان، نتيجة التغير فى أسلوب تفكيره ونظرته إلى الأمور والأشياء. أقول ذلك بمناسبة الخبر الذى دقَّت به الساعة السكانية فى مصر منذ بضعة أيام معلنة وصول المولودة «ياسمين» التى بلغ عدد سكان مصر لحظة وصولها إلى 100 مليون نسمة. الوصول إلى هذا الرقم أعاد بالطبع التذكير بالمشكلة السكانية التى تعيشها مصر. عدد السكان فى حد ذاته لا يشكل مشكلة إذا كانت موارد الدولة تستوعبه، لكن عندما يزيد العدد على القدرات أو الموارد المتاحة ترتبك الأمور وتصبح المواجهة ضرورية.
المشكلة السكانية -كما تعلم- ليست وليدة اليوم، بل تعود بجذورها إلى عقود مضت. أفكار تنظيم الأسرة طُرحت فى الستينات وتواصلت حملات التوعية التى استهدفت ترشيد الإنجاب خلال السبعينات وما تلاه من عقود. التفاعل مع الفكرة كان فى بداياته موضوعياً، واستهدف توعية الأسر المصرية بمخاطر المشكلة المصرية، لكن حملات التوعية تحولت بمرور الوقت إلى مجرد «سبوبة» يتربح منها البعض. وأمام إحساس المواطن بعدم جديتها وتضارب أفكارها مع قناعاته غير الواقعية من أن «كل عيل برزقه» و«الأولاد زينة الحياة الدنيا» أصبح ينجب على أنغام «حسنين ومحمدين». وهى واحدة من أشهر الأغنيات التى اشتملت عليها حملات التوعية بتنظيم الأسرة أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات.
علينا أن نعترف بأن الحكومات المتعاقبة منذ الستينات فشلت فى إقناع المواطن بـ«تنظيم الأسرة» وأن كل ما أُنفق على حملات التوعية أُلقى على الأرض. هذه الحكومات عجزت عن إقناع المواطن بفكرتها، لأنه ببساطة «لا يثق فى كلامها». ولأنه أيضاً يعاندها، ويتبنى وجهة نظر مخالفة لها تماماً فيما يتعلق بتنظيم الأسرة، لأن الأولاد بالنسبة للفقراء رأس مال ومصدر دخل. وكثرتهم لن تؤدى إلى المزيد من الفقر للفقير، كما تزعم الحكومة، بل على العكس قد تحل به بعض مشكلاته الاقتصادية. وإذا كان البعض يفكر حالياً فى حرمان من ينجب أكثر من اثنين من بعض المزايا التى تمنحها الحكومة، فعليهم أن يراجعوا أنفسهم فى ذلك، لأن العقاب سيؤدى إلى مزيد من العناد، وهو بحال لن يحل المشكلة.
مشكلة الانفجار السكانى هى بالأساس مشكلة ثقافية، ولن تحل إلا بتغيير ثقافة الناس. ومن المهم أن ننتبه إلى أن ثقافة الأجيال الجديدة مختلفة عن ثقافة الأجيال التى سبقتها. نظرة الأجيال الجديدة إلى مسألتَى الزواج والإنجاب مختلفة نتيجة تغير نمط الثقافة وأساليب التفكير بسبب التحولات التكنولوجية والتحول فى أنماط التفكير وأسلوب الحياة. وربما ساهمت الثقافة الجديدة فى التقليل من ضغط المشكلة السكانية، لكنها قد تتسبب فى مشكلات أخرى جديدة لم يسبق للمجتمع أن واجهها، مثل انخفاض معدلات الزواج وارتفاع نسب الطلاق وغير ذلك من مشكلات يجب أن يتنبه المجتمع إلى المواجهة المبكرة لها، وعدم تركها حتى تستفحل كما استفحلت المشكلة السكانية، لنبكى بعد ذلك على اللبن المسكوب. فكر الحكومة هو الآخر فى حاجة إلى تطوير وليس فكر المواطن فقط!