صرخات المسئولين فى المملكة المتحدة تتعالى محذرة من انهيار وشيك للنظام الصحى.
المؤشر الأهم والأكثر حسماً فى تحديد وضع أى نظام صحى فى مواجهة فيروس كورونا يتعلق بعدَّاد الوفيات، أكثر مما يرتبط بعدَّاد الإصابات.
فارتفاع عدد الوفيات داخل دولة يعنى ببساطة أن قدرة المستشفيات على الاستيعاب وتقديم الخدمات الطبية التى تؤدى إلى الاستشفاء تتراجع.
وعلينا أن نلتفت إلى أن صرخات التحذير فى بريطانيا تصاعدت بعد تجاوز عدد الوفيات هناك 80 ألف وفاة. ومن يقارن أعداد الوفيات من البريطانيين خلال الموجة الحالية من موجات كورونا سيجد أنها تزيد على أعداد الوفيات خلال الموجة الأولى.
لذلك فقد خرج كبير المسئولين الطبيين فى بريطانيا محذراً من أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية تواجه «أخطر موقف» وسط تقارير تشير إلى أن النظام الصحى ينهار فى بعض المقاطعات.
المسئولون عن قطاع الإسعاف فى بريطانيا أيضاً وجهوا تحذيرات شبيهة وأعلنوا أن قدرتهم على تقديم الخدمة تقل باستمرار.
اللافت أن بريطانيا بدأت منذ بضعة أسابيع إجراءات تطعيم مواطنيها بلقاح أكسفورد المضاد لكورونا، ولم يزل الجميع فى انتظار نتائجه حتى يعرف المسئولون هناك رأسهم من أقدامهم، وإلى أن يتم حسم نتائج التلقيح لم يجد المسئولون البريطانيون من سبيل أمامهم سوى دعوة المواطنين إلى «التزام المنازل»، لأن المزيد من الإصابات أصبح يعنى المزيد من الوفيات فى ظل تآكل قدرة النظام الصحى على الاستيعاب.
هكذا تخاطب الحكومة البريطانية مواطنيها بصراحة ودون مواربة. ففى حالة الكوارث المهددة لحياة الإنسان لا يصح إلا الصحيح، وأى محاولة للمراوغة تكون لها عواقب غير محمودة.
لقد خرج رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون منذ بضعة أيام مؤكداًَ أنه لا خيار أمام البلاد سوى الإغلاق الكامل فى ضوء الانتشار السريع لسلالة كورونا الجديدة، مضيفاً: «إن الإغلاق ضرورى لأن الحقائق تتغير».
«جونسون» كان يرفض فيما سبق اللجوء إلى أية إجراءات إغلاق مع ظهور السلالة الجديدة من كورونا، وهو كما تذكر أول مَن تبنى نظرية «مناعة القطيع» خلال الموجة الأولى من كورونا، لكن «الحقائق المتغيرة» فرضت عليه تغيير توجهاته ووجهات نظره واتخاذ القرارات الملائمة للموقف الخطير الذى يواجهه، لأنه لا يستطيع بحال أن يتحمل مسئولية التزايد المستمر فى عدد الإصابات.
لقد تفاءل البريطانيون وغيرهم من شعوب العالم مع ظهور لقاح كورونا، وبدء رحلة التطعيم، لكن السلالة الجديدة من الفيروس قلبت الأمور رأساً على عقب، ولم يعد أحد يدرى هل بمقدور اللقاح التعامل معها أم لا، خصوصاً أن أعداد الإصابات وكذلك عدد الوفيات زاد بصورة ملحوظة بالتوازى مع رحلة التلقيح.
لم يكن فى وسع جونسون وغيره من المسئولين البريطانيين سوى مصارحة الشعب بالوضع ودعوته إلى العودة إلى «التزام المنازل».
والتجربة تقول إن «التزام المنازل» يمثل الطريقة الوحيدة التى أثبتت نوعاً من النجاح فى مواجهة الفيروس.
لا يستطيع مسئول أن يتردد فى اتخاذ قرار يحمى الناس وهو يرى الخطر يفرد جناحيه على مواطنيه.
فترك الخطر هو أخطر الخطر.