بقلم: د. محمود خليل
أكثر من 2400 حالة وفاة جرّاء الإصابة بكورونا فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال 24 ساعة فقط. هذه هى أكبر حصيلة وفيات تشهدها أمريكا منذ ستة أشهر كاملة.
رغم ما يحمله الرقم من أحزان فإنه يبدو طبيعياً فى ظل الارتفاعات المهولة فى أعداد الإصابة اليومية التى توشك على الوصول إلى الرقم 200 ألف حالة إصابة فى اليوم، ما جعل إجمالى عدد الإصابات يتجاوز الـ12 مليوناً.
الزيادات الكبيرة فى متوالية الإصابات والوفيات بالفيروس تضع «جو بايدن» أمام اختبار عسير منذ اليوم الأول الذى سيدخل فيه إلى البيت الأبيض.
لعب الفيروس دوراً مهماً فى تراجع شعبية «ترامب» ووصول أصوات الناخبين الأمريكيين إلى «بايدن». الرئيس المنتخب عاير «ترامب» كثيراً بسبب استخفافه بالفيروس حين ظهوره، وعدم اعترافه بفكرة الغلق كأساس جيد لمحاصرة انتشاريته والعدوى به، بالإضافة إلى عدم اكتراثه بالإجراءات الاحترازية.
أسابيع معدودة ويصبح «بايدن» صانع القرار الأول فى الولايات المتحدة الأمريكية.. فماذا هو فاعل؟.. هل سيلجأ إلى الإغلاق؟.. وإذا فعل هل سيتمكن من تحمل فاتورة البطالة والركود الاقتصادى التى ستترتب عليه؟
لقد أعلن «بايدن» نفسه أنه لن يلجأ إلى سياسة الإغلاق. وذكر أن الإغلاق الشامل غير وارد على الإطلاق، وأنه لن يغلق الاقتصاد الأمريكى أبداً. وذكر بايدن أيضاً أن كل ولاية من الخمسين لديها ظروف تتحكم فى طريقة إدارتها للفيروس.
الواضح أن ترك المسئولية لضمير المسئول الأصغر ليتصرف كيف يشاء سيصبح نهجاً دولياً للتعامل مع كورونا، وليس من المستبعد أن يترك الأصغر المسئولية لمن هو أصغر منه وهكذا حتى يتركها الأخير لضمير الفيروس نفسه. ولكن هل يُعد هذا النهج حلاً للمشكلة؟
حكام الولايات الأمريكية ليسوا أقل حيرة من «بايدن»، فمع تعاظم أعداد الإصابات والوفيات قررت العديد منها التراجع عن خطوة الفتح التدريجى التى كانت تنويها، مثل ولاية أوريجون وولاية نيومكسيكو. وفى واشنطن تقرر إغلاق المطاعم، وفى نيويورك هناك حديث عن إغلاق المدارس.
ومن المتوقع أن تشتد الإجراءات أكثر وأكثر حتى تصل إلى حد الإغلاق الكامل والحظر إذا استمر الفيروس يضرب بنفس الدرجة من القوة.
تلك هى النهاية المتوقعة لأسلوب «ترك الفيروس لضميره»، فالفيروس يضرب بلا ضمير، ومع زحف أشهر الشتاء سوف يزحف بالتوازى أكثر وأكثر، كذلك يتوقع خبراء الصحة العالميون، وسوف تكون النتيجة هى الإغلاق والحظر، ويصبح كلام «بايدن» حول رفض إغلاق الاقتصاد الأمريكى بلا معنى، وليس من المستبعد أن يعايره «ترامب» به بعد خروجه من البيت الأبيض.
سوف يسأله «ترامب» كيف يسمح باستمرار دوران عجلة الاقتصاد ولا يتخذ قراراً بالإغلاق رغم ارتفاع عدد الإصابات والوفيات؟ وسوف يحسب متوسط الإصابات والوفيات اليومية فى أيام «بايدن» الأولى مقارنة بأيامه، وسوف يسلقه بلسان أشد حدة من اللسان الذى سلقه بايدن به.
الحظر والإغلاق سيفرض نفسه على العالم خلال الأسابيع القادمة، رغم إصرار العديد من الحكومات على عدم الأخذ به. فلا مفر أمام مواطنى العالم سوى الفرار من أقدار الشارع إلى أقدار البيوت، ليتخذوا قرار الإغلاق بأيديهم إذا لم يتخذه غيرهم.