بقلم: د. محمود خليل
منذ قرار «ترامب» بإقالة مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكى، فى 9 نوفمبر من العام المنصرم، وتولى كريستوف ميلر منصب وزير دفاع بالإنابة والأحاديث لا تنتهى عن احتمالية أن يقدم الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته على إشعال حرب مع إيران.
طيلة شهر ديسمبر الماضى تم الدفع بأسلحة أمريكية شديدة التطور إلى مياه الخليج، شملت مدمرات وغواصات وحاملات طائرات وقاذفات قنابل، كما عبرت إحدى الغواصات الإسرائيلية مياه البحر الأحمر إلى الخليج العربى.
من جهتها أعلنت إيران -على لسان وزير خارجيتها «جواد ظريف»- أن الولايات المتحدة تتحرك فى مياه الخليج بصورة مشبوهة وتثير الريبة، خصوصاً بعد أن دفعت بقاذفات قنابل بى 53 ذات القدرة النووية، وتحليقها فوق مياه الخليج، كنوع من استعراض القوة، وأضاف «ظريف» أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن أى ذريعة لاختلاق حرب مع إيران.
الولايات المتحدة الأمريكية تبرر عملية التحشيد العسكرى بالخوف من رد فعل انتقامى من جانب إيران بمناسبة الذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليمانى (3 يناير). وهو فى المجمل تبرير مضحك، لأن ما لم تفعله إيران قبل عام يصعب أن تفعله الآن فى ظل حالة من الانتظار أصبحت تحكم صانع القرار فى طهران إلى أن يتولى «بايدن» رئاسة الولايات المتحدة رسمياً.
الأحاديث التى تتردد فى الولايات المتحدة الأمريكية عن انتقام إيرانى فى ذكرى مقتل «سليمانى» تتجاهل أن أبرز رد فعل إيرانى على مقتل قائد الحرس الثورى السابق تمثل فى قصف قاعدة عين الأسد فى 8 يناير 2020، وهو القصف الذى أوقع بعض الخسائر المادية بالقاعدة، لكنه لم يخلّف أى قتلى، لأنه ببساطة كان رداً مرتباً، وقد وصلت معلومات تحذيرية إلى القوات الأمريكية الموجودة بالقاعدة بأن هجوماً إيرانياً يوشك أن يقع، وذلك قبل القصف بوقت كافٍ للغاية.
حتى ولو حدث أى شىء، اليوم 3 يناير الجارى، فإن شبهة الترتيب تظل حاضرة، سواء من جانب الإدارة الأمريكية أو حكومة طهران أو حكومة بغداد.
مؤشرات عديدة تدلل على أن «ترامب» يريد فعل أى شىء قبل مغادرة البيت الأبيض، وأن أقرب خطوة إلى تفكيره هى ضرب إيران، وهناك فى منطقة الشرق الأوسط من يلح عليه فى ذلك، وموقف إسرائيل واضح فى هذا السياق.
ورغم ذلك يظل خيار الحرب بعيداً لأن كل الأطراف -وعلى رأسها الأمريكان- يدركون أن الكلفة ستكون جد كبيرة.
مشهد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 من الصعب تكراره مع إيران عام 2021. فالهدف مختلف والظروف الإقليمية والدولية مختلفة أيضاً.
بإمكان الولايات المتحدة، ومن ورائها إسرائيل، أن تقصف وتدمر مواقع عدة فى إيران، لكن عليهما تحمل الكلفة التى ستترتب على ذلك، سواء من جانب الجيش الإيرانى والحرس الثورى، أو من جانب أذرع إيران المنتشرة فى لبنان وسوريا والعراق واليمن، ناهيك عن الخلايا النائمة بدول عديدة ويمكن أن تعمل لصالح إيران.
إشعال نار الحرب أمر سهل، لكن التحكم فى تداعياتها ومسارتها يبدو شديد الصعوبة، لذا تظل حسابات الحرب أكثر تعقيداً، ودائماً ما تضعها الأنظمة السياسية العاقلة كآخر خطوة يمكن اللجوء إليها.