بقلم: د. محمود خليل
البحث عن العجائب والأعاجيب المدهشة جزء من تركيبة البشر، لكن ثمة خيطاً رفيعاً يفصل بين العجائبية والتخريف.
بعض المصريين يتابعون بشغف أخبار ما يطلق عليه «الكائنات الفضائية». ولو أنك شاهدت لبعض الوقت فيديوهات «دعاة آخر الزمان» فستجد أن «الفضائيين» يشكلون ركناً ركيناً من أحاديثهم إلى الجمهور الذى يهوى مشاهدتهم، أو يصدق ما يقولون، فالفضاء جزء من تنظيرهم لنهاية العالم أو آخر الزمان. منهم من يحدثك عن نجم معين سوف يظهر فى السماء ويرتبط ظهوره بقرب آخر الزمان ونهاية الحياة على الأرض، ومنهم من يحدثك عن مذنَّب سيكتب كلمة النهاية فى حياة البشر، وغير ذلك.
لا تظنن أن المسألة ترتبط بقطاع من الجمهور المصرى المتابع لمثل هذه الفيديوهات، فالمسألة أكثر اتساعاً من ذلك، وتتجاوز مصر إلى غيرها من الدول بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر بلاد الله تقدماً وتنوراً وعلماً وتكنولوجيا.
الأحاديث فى الولايات المتحدة لا تنقطع منذ الخمسينات عن الكائنات الفضائية التى هبطت إلى الأرض عبر أطباق طائرة، وتحكى إحدى الروايات حواراً طويلاً دار ما بين أحد الرؤساء الأمريكيين و«الرماديين». والوصف الأخير يطلق على الكائنات الفضائية، ومما جاء فيه أن تحرك «الرماديين» نحو الأرض جاء عقب ما لاحظه أهل الفضاء من اضطرابات وقسوة أدت إلى إلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين!
ولماذا نذهب بعيداً فى التاريخ الأمريكى ولدينا نموذج جديد قريب للغاية يتعلق بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فقد ذكر موقع روسيا أن كائنات فضائية وصلت إلى الأرض وقدمت طلباً عاجلاً لترامب، وأضاف الموقع نقلاً عن حوار أجرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية مع «خائيم إيشيد» الذى يوصف بأنه «أبو برنامج الفضاء الإسرائيلى» أن الرئيس الأمريكى «ترامب» كان على وشك كشف الستار عن وجود الكائنات الفضائية على الأرض، لكن الكائنات من فيدرالية المجرة قالت: انتظر واسمح للناس بالهدوء أولاً. لأنهم لا يريدون نشوب حالة من الهستيريا الجماعية، بل يريدون أن ندرك ونقبل بذلك أولاً!
كلام لذيذ لا يقل لطفاً عن «ترامب» الذى تراجع عما سبق أن أعلنه عن نيته الترشح فى انتخابات الرئاسة 2024، وذكر أنه قرر الاستمرار فى البيت الأبيض، فى إشارة إلى مواصلة دوره كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، رغم فوز «بايدن» فى الانتخابات الأخيرة.
يبدو «ترامب» أحياناً أشبه بالكائنات الفضائية، تشعر معه وهو يتحدث بأنه يمتلك أفقاً سماوياً يستطيع أن يحلق به بعيداً عن الأرض وأهلها وأحداثها.
هذه الطريقة فى التفكير وما يتولد عنها من عبارات وأفكار مثيرة أحياناً ما تشد انتباه الناس وتُطرب عقولهم وأفئدتهم، فتجدهم مدفوعين إلى الإنصات إليها والاستمتاع بها.
يستخدم المصريون وصفاً لافتاً يخلعونه على الشخص ذى الطابع الرمادى صاحب التفكير أو الأداء الفضائى، فيقولون عنه: «من كوكب تانى».
الشخص الموصوف بهذه العبارة قد يكون صاحب تفكير مختلف أو أداء استثنائى، وقد يكون رأسه «فى منطقة تانية» بعيداً عن الواقع على الأرض.
فى كل الأحوال علينا أن نسلِّم بأن الاستثنائيين ندرة وأن غالبية مَن يتحدثون عن الرماديين والفضائيين دون أدلة علمية ثابتة وقاطعة ينتمون إلى فصيلة «أصحاب الدماغ العالية».
الناس معذورة.. الحياة بقت صعبة!.