تعبر الآية الكريمة: «ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به» التى وردت فى سياق قصة «السامرى» عن معنى عميق يجدر التذكير به.
يتحدث «هارون» فى سياق الآية عن فتنة بنى إسرائيل بـ«موسى السامرى»، حين انقادوا له دون تفكير أو تذكر لإيمانهم الذى تعلموه على يد نبى الله موسى عليه السلام.
شأن بنى إسرائيل فى هذا الموقف شأن البشر عموماً. فما أكثر ما تجدهم يصعدون بأى ظاهرة تافهة أو شخص تافه إلى أعلى عليين، ويحولونها أو يحولونه إلى معبود، ثم يتعجبون بعد ذلك كيف يعاملهم من موقع النبى أو نصف الإله!.
تستطيع أن تجد نماذج على ذلك فى بعض مجالات حياتنا، حين يتحول بعض التافهين إلى أصحاب مقام رفيع، وبعض المغمورين إلى أصحاب شهرة وسطوة وحظوة.
ذلك ما فعله بنو إسرائيل حين أضلهم موسى السامرى، فمدوا أيديهم إليه بما يملكون لصناعة عجل من ذهب أصبح كل حياتهم ومبلغ آمالهم ومحل تقديسهم. ولما عاد موسى إليهم ووبخهم على فعلتهم ثابوا إلى رشدهم ولعنوا العجل واعترفوا بضلالهم على يد السامرى.
تُرى أيهما أشد إجراماً فى حق الآخر: البشر الذين رفعوا الهزيل إلى مرتبة النجومية.. أم التافه الذى تاه فخراً بعد أن هام وعام فى بحر الشهرة والمال؟
ظنى أن المسئولية الأكبر تقع على من رفعوه. هؤلاء الذين يلعنون التفاهة رغم أنهم صُناعها وبناة عزها ومجدها.
هؤلاء الذين نحتوا العجل بأيديهم وهللوا لخواره، ولما حدد موضعه فوق ظهورهم دخلوا فى بكائية لا تنقطع.
الشعبية يصنعها الناس بأيديهم. وقد تعجب إذا قلت لك إن التافهين الذين يحققون شعبية غير موضوعية ضحايا أكثر منهم جناة.
نعم هم كذلك.. فالجانى الحقيقى هو من دفع فيهم واستمع إليهم ونجّمهم.
وجود هؤلاء مظهر من مظاهر ثقافة الأزمة التى تظهر أبرز تجلياتها فى فساد الذوق والبحث عن التفاهة.
القرآن الكريم حكى لنا قصة «العجل المعبود» الذى صنعه السامرى بمال وذهب بنى إسرائيل ثم أخبرهم أن هذا إلههم وإله موسى، فلما سمع التافهون خواره خروا له ساجدين وعبدوه من دون الله.
لم تجد نصائح «هارون» نفعاً عندما لفت نظر قومه إلى تفاهة وحقارة ما يفعلون: «ولقد قال لهم هارون يا قوم إنما فُتنتم به».
لم يسمع بنو إسرائيل لـ«هارون»، بل ألقوا السمع إلى السامرى الأفّاق، وآمنوا بما يقول، ومكثوا على إخلاصهم للعجل حتى عاد إليهم موسى، فلما رآهم على تلك الحال اشتعل غضباً وكاد أن يفتك بأخيه هارون، ولما سكت عنه الغضب أشعل النار فى «العجل المعبود» وحكم على السامرى بالنفى.
منذ ذلك التاريخ والناس لا تتوقف عن البحث عن عجل جسد له خوار تستمتع بتقديسه والطواف حوله والتمايل على أنغام خواره!.