بقلم: د. محمود خليل
صلابة رسالة الإسلام وتماسك أركانها، وترجمتها لأشواق الإنسان إلى العدل والحرية والإحسان والتسامح والرحمة، جعلها أبعد ما تكون عن استخدام العنف. الحق لا يحتاج إلى قوة تقنع به لأنه مقنع فى ذاته.
وعندما كتب الله على محمد وصحابته القتال كان يعلم أنهم يكرهون ذلك «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهْ لَّكُمْ». ولم يجعل الله القتال أداة لإكراه المشركين على الإيمان بالحق، لأن الحق قوى فى ذاته وبذاته: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ».. «أَفَأَنتَ تُكْرِهْ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».
كان القتال أداة لرفع الظلم الذى وقع على محمد وصحابته حين طُردوا من ديارهم وأهليهم وأحبابهم، ولاحقهم المكيون بالإيذاء فى «يثرب».. هنالك أذن الله لنبيه وأنصاره بالقتال: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ».
لم يكن محمد يريد قتال العرب ولا قتال غيرهم، بل كان يريد أن يصنع منهم أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
رسالة النبى، صلى الله عليه وسلم، كانت تؤكد أن سبيل الله هو سبيل الحكمة والموعظة الحسنة. وقد كان طريق محمد كذلك: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ».
عاد محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى مكة الحبيبة فعفا عن أهلها الذين ناله وأصحابه منهم ما لا يوصف من الأذى، لكن الرابطة الإنسانية العميقة التى جمعت بينه وبين الأنصار دفعته إلى العودة فى رحالهم، ليقضى آخر أيامه فى رحابهم، ولينعموا بنبيهم الأكرم أكثر من غيرهم.
محمد، صلى الله عليه وسلم، عاش إنساناً حراً. والحر يعرف كيف يحفظ كرامة غيره ويحترم حريته، حتى لو كان منابذاً له أو مسيئاً إليه. كان الدعاء للآخرين بالهدى هو ما يقابل به خصومه وأعداءه، لأنه علم أن «الهدى هدى الله».
عاش النبى جزءاً لا يتجزّأ من نفوس المحيطين به، الصغار والكبار، الضعاف والأقوياء، الرجال والنساء، المهاجرين والأنصار. كان أكثر ما يشق على النبى هو المشقة على الناس، كيف لا وهو يشعر بأنه جزء منهم وأنهم جزء منه؟.
كانت البشرية أكثر ما يشغله، فعاش حياته حريصاً على نجاتهم فى الدنيا والآخرة، رؤوفاً رحيماً بهم.
ظل يفكر فى من حوله حتى اللحظة الأخيرة من حياته الشريفة التى عاشها إنساناً عرف كيف يبنى أمة ويؤسس لعقيدة يؤمن بها اليوم ما يقرب من 2 مليار إنسان، صنعتهم التجربة النبوية الفريدة التى تأسست على إنسان يأكل مما يأكله الناس، ويمشى مثلهم فى الأسواق، ويشتاق مثلهم إلى الأبناء، ويجد متعته فى الكبر فى مداعبة الأحفاد.
ولا أجد وصفاً أرقى للنبى الأعظم، صلى الله عليه وسلم، من قوله تعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ».