الجرائم العجيبة التى نشهدها هذه الأيام تُعد مؤشراً على حالة اهتزاز غير مسبوقة تتعرّض لها الطبقة الوسطى فى مصر.
يكفى على سبيل المثال أن نشير إلى عدد من الجرائم التى ارتبطت مؤخراً بأفراد من هذه الطبقة، مثل جرائم اغتصاب «فتاة مارينا» و«فتاة المعادى» و«فتاة الفيرمونت» وغيرها من الجرائم التى دارت فى المجال المكانى الذى تحيا وتتفاعل فيه الطبقة الوسطى.
مؤكد أن الطبقة الفقيرة تشهد جرائم هى الأخرى، لكن لم تزل هذه الجرائم تقع فى فئة «التقليدى»، مثل جرائم القتل من أجل الشرف أو السرقة أو الخطف أو الاغتصاب (مثل جريمة فتاة المقاولات بفيصل).
على مدار سنوات طويلة كان ينظر إلى ارتفاع معدلات الجريمة فى البيئات الفقيرة كأمر طبيعى يرتبط بعشوائية الحياة وما تولده فى النفس من عشوائية الأخلاق.
وعلى مدار سنوات أطول، كان ينظر إلى الطبقة الوسطى كرمانة ميزان داخل المجتمع وكطبقة حارسة لحالة «التوازن الأخلاقى» داخل المجتمع. فأفرادها ليسوا بحاجة إلى الخطف أو السطو أو الاغتصاب بحكم أن أيديهم عادة ما تطول ما تريده، كما أن نمط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسكنية -البعيدة عن العشوائية- عادة ما تولّد لديهم نوعاً من الانضباط الأخلاقى.
فى أغلب الأحوال، كان يُفترض أن عشوائية حياة الفقراء تؤدّى إلى عشوائية الأخلاق، وأن انضباط حياة الطبقة المتوسطة يصحبه نوع من الانضباط الأخلاقى.
الجرائم المتكرّرة التى يمثل بعض أفراد الطبقة الوسطى أبطالاً لها تقول غير ذلك.
انظر على سبيل المثال إلى وظائف أو مناصب أبطال جريمة «مارينا».. وانظر إلى الشبكة العائلية لأبطال جريمة فيرمونت.. وانظر إلى التركيبة العجيبة لطرفى جريمة المعادى.
وإذا اتفقنا على أن الطبقة الوسطى تنقسم إلى ثلاث شرائح: عليا ومتوسطة ودنيا، فإن سمات أبطال الجرائم السابقة ومسارحها المكانية تدلل على أنها وقعت فى سياق الشريحتين العليا والمتوسطة. أما الشريحة الدنيا من هذه الطبقة فقد هبطت على وجه التقريب إلى الطبقة الفقيرة.
الواقع النظامى الذى يعيش أو يعمل فى سياقه أبطال هذه الجرائم لم يحل دون الانفلات الأخلاقى. ولعل أكثر ما يدلل على ذلك ما أشارت إليه التحقيقات فى بعض هذه القضايا من محاولة بعض المتهمين شراء الضحايا بمبالغ «مملينة» من المال أو عبر التراضى بالتحايل على القانون.
نحن أمام عشوائية أخلاقية مزدوجة تجمع بين استسهال فكرة تجاوز القانون، ثم محاولة القفز عليه بالتحايل.
حالة الاهتزاز التى ضربت الطبقة الوسطى خلال السنوات الأخيرة لها عدة وجوه أخرى غير وجه الجرائم التى نتحدث عنها.
فقطاع عريض من أفراد الطبقة يعانى من هزيمة اقتصادية، وقطاع آخر يعانى من هزيمة نفسية مردها الفشل فى إحداث تغيير فى منظومة الحياة فى مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، وقطاع ثالث يعانى من «التقاعد» أو «القعود المبكر» فى البيوت، جراء التعقيدات المعيشية التى أوجدها وباء كورونا، وقطاع رابع أصبح غارقاً فى نفاق طوب الأرض وملائكة السماء حتى يعيش.
الهزة العنيفة التى تتعرض لها الطبقة الوسطى فى مصر نذير خطر.. انتبهوا أيها السادة