بقلم: د. محمود خليل
أمست الميليشيات ملمحاً أساسياً من ملامح وأدوات الصراعات السياسية داخل الكثير من دول العالم.
والميليشيات كما تعلم هى تنظيمات مدنية مسلحة لها حضورها فى الصراعات السياسية داخل الدول، وقد تقوم ببعض الأدوار الخارجية لخدمة أهداف محدّدة. لو أنك تأملت خريطة العالم العربى على سبيل المثال، فيمكنك أن تعثر على أسماء كثيرة لميليشيات، تمكن بعضها من ابتلاع دول بأكملها، وبعضها الآخر يلعب دوراً قد يفوق فى أحوال دور الحكومات والمسئولين داخل الدول.
أمامك على سبيل المثال ميليشيا حزب الله فى لبنان، وميليشيا الحشد الشعبى فى العراق. ويتكرر الوضع فى سوريا أيضاً، كما هو الحال بالنسبة لميليشيا الجيش الحر، وأيضاً فى ليبيا، حيث يتعارك على أرضها الكثير من الميليشيات، التى تفرق بينها أيديولوجيات مختلفة.
المسألة ليست مغلقة على العالم العربى، بل تتجاوزه إلى ما وراءه. فى روسيا على سبيل المثال ظهرت ميليشيا «فاجنر»، وهى تقوم بأعمال خارجية لصالح النظام الروسى، كما هو الحال فى ليبيا. وعندك أيضاً فى إيران الحرس الثورى.
مؤخراً انضمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى نادى الميليشيات، فظهرت فيها عدة ميليشيات مسلحة، من بينها ميليشيا «براود بويز»، التى قامت بعملية اقتحام الكونجرس الأمريكى (6 يناير)، وكانت تخبئ كمية كبيرة من الأسلحة التى تم اكتشافها فى ما بعد للقيام بعمليات عنف ممنهج يخدم أهداف «ترامب» فى الاستمرار بالحكم.
ثمة ميليشيات مسلحة أخرى تتنامى فى الولايات المتحدة، من بينها ميليشيا أنتيفا والميليشيا التابعة لحركة «حياة السود مهمة».
أحياناً ما تعمل هذه الميليشيات لصالح فاعلين معينين داخل السلطة السياسية، وفى أحيان تعمل لحساب قوى خارجية، وقد تعمل تبعاً لحسابات أخرى خاصة، لكن الميليشيا لا بد أن تعمل لحساب طرف ما، هو على الأقل الطرف الذى يقوم بتمويلها.
نحن إذاً بصدد مشهد تتمدّد فيه أعداد وأدوار الميليشيات على مستوى العالم، وحالة التمدّد تلك يتوازى معها ضمور فى أدوار الدولة، وتآكل فى معالم صورتها التاريخية. الأخطر أن الأدوار المتنامية لهذه التنظيمات تمثل المقدمة الأساسية للصراعات الأهلية، والصراعات الأهلية بدورها يمكن أن تكون سبباً فى انقسام الدول.
فتآكل أدوار مؤسسات الدولة يهز صورتها أمام الرأى العام ويطرح أسئلة كثيرة حول جدواها. كما أن التجربة تقول إن الميليشيات عادة ما تتحلق حول أيديولوجية معينة تجمع المنتمين إليها تحت مظلتها.
فثمة ميليشيات تتحلق حول الانتصار لفكرة مثل «استعادة الخلافة»، أو مذهب «سنى/ شيعى»، أو حول التمييز العرقى مثل «أنصار العرق الأبيض» أو «أنصار العرق الأسود»، كما يمكن أن تتحلق حول فكرة «الارتزاق» وجمع الأموال، كما هو الحال بالنسبة لبعض التنظيمات التى تتحرك هنا وهناك وتمنح مجهودها لمن يدفع أكثر.
الميليشيا فى الأساس تتمحور حول أفكار «التفكيك» و«الانفصال» و«الانغلاق على الذات» و«معاداة الآخر» و«محاولة فرض الرأى بالقوة والعنف». وعندما تصبح الميليشيا دولة داخل الدولة، فمن الطبيعى أن تطمع فى السيطرة الكاملة، فإذا لم تستطع فقد تبحث عن دولتها الخاصة