بقلم: د. محمود خليل
إذا صدق الكاتب صدّقه الناس.. كذلك كان الكاتب وحيد حامد.
الكتّاب الصادقون «تعرفهم بسيماهم».. وأولى هذه السمات تتمثل فى الالتصاق بالناس، والملاحظة العميقة لحركة الحياة من حولهم.
كان وحيد حامد من ذلك الصنف من الكتّاب المندمجين فى الحياة، القادرين على الغوص فى أعماقها وترجمة أوجاعها وأشواقها فى صور فنية بديعة. تقلَّب مع الأحداث التى شهدتها «المحروسة» وعاش أدق تفاصيلها وعاناها، فجاءت كتابته عنها صادقة كل الصدق، تستطيع أن تلمح ذلك فى وصفه البديع لأحوال المصريين بعد نكسة يونيو 1967 فى مسلسل العائلة، وما أدت إليه من ارتباك فى أخلاق المصريين، وما أفرزته من ظواهر مثل التطرف بدت كنتيجة طبيعية لسقوط الفكرة القومية.
تستطيع أن تظفر بحالة الصدق النبيل التى ميزت كتابات وحيد حامد فى فيلم «البرىء» الذى شخَّص فيه أحداث الأمن المركزى عام 1986 التى رجَّت مصر من أقصاها إلى أقصاها. كل عبارة فى هذا الفيلم تشهد على معرفة صادقة بأحوال الكبار والصغار داخل المجتمع المصرى.
سمة أخرى تجدها لامعة فى إبداع وحيد حامد، تتمثل فى الشغف بالتعبير عن المهمشين حتى ولو كانوا «هلافيت»، تجد ترجمة لذلك فى شخصية «عرفة مشاوير» الحالم بالحياة فى فيلم «الهلفوت» والفلاح البسيط «أحمد سبع الليل» فى فيلم «البرىء» والموظف البسيط فى فيلم «المنسى»، والمدرس المعذب فى فيلم «الإنسان يعيش مرة واحدة».
شجاعة الاشتباك مثَّلت صفة ثالثة لحالة الصدق التى عاشها وحيد حامد. بقلمه الجسور اشتبك وحيد حامد مع أكثر القضايا تعقيداً التى عاصرها فى رحلة الحياة، تجد ذلك حاضراً فى فيلم «معالى الوزير»، حيث يشتبك مع قضية اختيار القيادات، وكيف تلعب الصدفة دوراً -أحياناً ما يكون حاسماً- فى حياة الكبار، وكيف تؤدى الاختيارات العبثية إلى الفساد، وعالج الصرخة المكتومة فى نفوس المصريين فى فيلم «النوم فى العسل».
المسألة عند وحيد حامد لم تتوقف عند عتبة التعبير الفنى الإبداعى عبر أعماله الدرامية، بل تحرك قلمه بشجاعة ظاهرة فى مقالاته الصحفية التى اخترق فيها الكثير من القضايا التى لا يجرؤ غيره على الخوض فيها. يكفى أن نستشهد فى هذا السياق بالحملة الصحفية التى شنَّها على تجار التبرعات للجمعيات الخيرية، والتى أثارت ضجة كبرى فى جنبات المجتمع المصرى.
خط الصدق مثَّل أكثر الخطوط اتصالاً فى كتابات وحيد حامد، لذا فقد قوبل خبر وفاته بمظاهرة حزن صادق من جانب ملايين المصريين الذين رأوا فى إبداعه تعبيراً حقيقياً عن آمالهم وأحاسيسهم وهمومهم وعما يعتمل فى نفوسهم.
مات وحيد حامد كما يموت كل حى، لكن كتاباته وإبداعاته لم تزل حية. وكما ينقلنا الموت إلى حياة أخرى أفضل «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولىَ»، فإنه ينقل الإبداع إلى حياة أخرى، حيث يدفع الناس إلى تقييم أكثر أمانة وأشد إنصافاً وأعلى توازناً لما خلَّفه الراحلون من أعمال.
فحينما يختفى الشخص يحضر الموضوع، وحين يحضر الموضوع يزيد منسوب الأمانة والإنصاف والتوازن.
رحم الله المبدع الكبير وحيد حامد.