توقيت القاهرة المحلي 06:41:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حالة صدق

  مصر اليوم -

حالة صدق

بقلم: د. محمود خليل

إذا صدق الكاتب صدّقه الناس.. كذلك كان الكاتب وحيد حامد.

الكتّاب الصادقون «تعرفهم بسيماهم».. وأولى هذه السمات تتمثل فى الالتصاق بالناس، والملاحظة العميقة لحركة الحياة من حولهم.

كان وحيد حامد من ذلك الصنف من الكتّاب المندمجين فى الحياة، القادرين على الغوص فى أعماقها وترجمة أوجاعها وأشواقها فى صور فنية بديعة. تقلَّب مع الأحداث التى شهدتها «المحروسة» وعاش أدق تفاصيلها وعاناها، فجاءت كتابته عنها صادقة كل الصدق، تستطيع أن تلمح ذلك فى وصفه البديع لأحوال المصريين بعد نكسة يونيو 1967 فى مسلسل العائلة، وما أدت إليه من ارتباك فى أخلاق المصريين، وما أفرزته من ظواهر مثل التطرف بدت كنتيجة طبيعية لسقوط الفكرة القومية.

تستطيع أن تظفر بحالة الصدق النبيل التى ميزت كتابات وحيد حامد فى فيلم «البرىء» الذى شخَّص فيه أحداث الأمن المركزى عام 1986 التى رجَّت مصر من أقصاها إلى أقصاها. كل عبارة فى هذا الفيلم تشهد على معرفة صادقة بأحوال الكبار والصغار داخل المجتمع المصرى.

سمة أخرى تجدها لامعة فى إبداع وحيد حامد، تتمثل فى الشغف بالتعبير عن المهمشين حتى ولو كانوا «هلافيت»، تجد ترجمة لذلك فى شخصية «عرفة مشاوير» الحالم بالحياة فى فيلم «الهلفوت» والفلاح البسيط «أحمد سبع الليل» فى فيلم «البرىء» والموظف البسيط فى فيلم «المنسى»، والمدرس المعذب فى فيلم «الإنسان يعيش مرة واحدة».

شجاعة الاشتباك مثَّلت صفة ثالثة لحالة الصدق التى عاشها وحيد حامد. بقلمه الجسور اشتبك وحيد حامد مع أكثر القضايا تعقيداً التى عاصرها فى رحلة الحياة، تجد ذلك حاضراً فى فيلم «معالى الوزير»، حيث يشتبك مع قضية اختيار القيادات، وكيف تلعب الصدفة دوراً -أحياناً ما يكون حاسماً- فى حياة الكبار، وكيف تؤدى الاختيارات العبثية إلى الفساد، وعالج الصرخة المكتومة فى نفوس المصريين فى فيلم «النوم فى العسل».

المسألة عند وحيد حامد لم تتوقف عند عتبة التعبير الفنى الإبداعى عبر أعماله الدرامية، بل تحرك قلمه بشجاعة ظاهرة فى مقالاته الصحفية التى اخترق فيها الكثير من القضايا التى لا يجرؤ غيره على الخوض فيها. يكفى أن نستشهد فى هذا السياق بالحملة الصحفية التى شنَّها على تجار التبرعات للجمعيات الخيرية، والتى أثارت ضجة كبرى فى جنبات المجتمع المصرى.

خط الصدق مثَّل أكثر الخطوط اتصالاً فى كتابات وحيد حامد، لذا فقد قوبل خبر وفاته بمظاهرة حزن صادق من جانب ملايين المصريين الذين رأوا فى إبداعه تعبيراً حقيقياً عن آمالهم وأحاسيسهم وهمومهم وعما يعتمل فى نفوسهم.

مات وحيد حامد كما يموت كل حى، لكن كتاباته وإبداعاته لم تزل حية. وكما ينقلنا الموت إلى حياة أخرى أفضل «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولىَ»، فإنه ينقل الإبداع إلى حياة أخرى، حيث يدفع الناس إلى تقييم أكثر أمانة وأشد إنصافاً وأعلى توازناً لما خلَّفه الراحلون من أعمال.

فحينما يختفى الشخص يحضر الموضوع، وحين يحضر الموضوع يزيد منسوب الأمانة والإنصاف والتوازن.

رحم الله المبدع الكبير وحيد حامد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حالة صدق حالة صدق



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon