بقلم: د. محمود خليل
العباس بن عبدالمطلب هو مشير بنى هاشم، تمتع بالحكمة والكياسة التى جعلته سياسياً فريداً، بإمكانك القول أنه كان العقلية الهاشمية الوحيدة التى تضارع فى دهائها ما يتمتع به بنو أمية من خبث ومكر سياسى.
«العباس» هو عم النبى، صلى الله عليه وسلم، وكان قريباً منه فى العمر.
رسمياً أسلم «العباس» بعد فتح مكة، لكن فعلياً يصح القول بأنه أسلم قبل ذلك، لكنه كتم إسلامه حتى يتمكن من البقاء بمكة ليلعب، بالنسبة للنبى، دور جهاز الاستطلاع على العدو.
دور «العباس» فى حياة النبى ظهر بصورة جلية حتى قبل هجرته إلى المدينة. فالعباس هو من تفاوض باسم النبى مع وفد أهل المدينة فى بيعة العقبة الثانية، واتفاق النبى مع الأنصار صاغه ووضع أسسه العباس بن عبدالمطلب، ولم يتحرك النبى نحو يثرب إلا بعد أن اطمأن العباس للموقف تماماً، وتأكد من صدق عزم أهل المدينة على حمايته صلى الله عليه وسلم.
كان العباس مثل مؤمن آل فرعون يعيش بين قومه فى مكة وهو يكتم إيمانه، وهو أمر كان يعلمه النبى، صلى الله عليه وسلم، جيداً، لذلك أمر أصحابه يوم «بدر» بعدم التعرض للعباس ولمن سيخرج من بنى هاشم مع مشركى مكة لأنهم أُكرهوا على الخروج: يذكر «ابن سعد» أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه يوم بدر: «من لقى منكم العباس وطالباً وعقيلاً ونوفلاً وأبا سفيان فلا تقتلوهم».
ظل العباس قريباً من النبى حتى وفاته، وعندما مرض صلى الله عليه وسلم ألحَّ «العباس» على ابن أخيه «على» أن يسأل النبى إذا كان سيعهد بالأمر من بعده إلى شخص بعينه، خصوصاً بعد ما سمع بأمر الكتاب الذى أراد النبى، صلى الله عليه وسلم، أن يمليه، وحال دونه عمر بن الخطاب، فرغب «العباس» فى حسم الأمر بصورة واضحة، وربما يكون قد أحس أن النبى يمكن أن يعهد بالأمر من بعده إلى على بن أبى طالب، رغم حداثة سنه، وقد قرأ فى إصراره صلى الله عليه وسلم على تولى أسامة بن زيد قيادة الجيش الذى يوجد فيه أبوبكر وعمر وكبار الصحابة مؤشراً على ذلك، رغم أن أسامة بن زيد وقتها كان فى الثامنة عشرة من عمره، لكن القدر لم يمهل علياً حتى يسأل، فمات النبى، صلى الله عليه وسلم.
ظل العباس إلى جوار ابن أخيه «على» فى كل المواقف، يسدى له النصح، وكان أخطرها الموقف الذى عاشه المسلمون بعد اغتيال عمر.
العباس بن عبدالمطلب قال لعلى، عندما علم بأنه اختير ضمن أهل الشورى الستة: لا تدخل معهم. قال: إنى أكره الخلاف. قال: إذاً ترى ما تكره. لقد كانت وجهة نظر العباس بن عبدالمطلب أن ينأى على بن أبى طالب بنفسه عن الأمر برمته، لأنه كان يرى أنهم لن يعطوها له بحال.
يذكر «ابن الأثير» أن العباس قال لعلى بعد أن نجح فى تمرير الخلافة إلى عثمان: «لم أرفعك فى شىء إلا رجعت إلىّ مستأخراً لما أكره، أشرت عليك عند وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت، فأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الأمر فأبيت، وأشرت عليك حين سمّاك عمر فى الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت، احفظ عنى واحدة: كلما عرض عليك القوم فقل: لا، إلا أن يولوك، واحذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم به غيرنا».