بالتزامن مع إعلان عبدالله حمدوك عن تشكيلته الوزارية الجديدة شهدت مدينة الأُبيّض جنوب السودان مظاهرات منددة بتردى الأوضاع الاقتصادية للمواطن، وقام المتظاهرون بحرق سيارتين حكوميتين.
أحد تعابير تردى الأداء فى عالمنا العربى لجوء السلطة عند تردى أحوال الناس وصراخهم بالشكوى إلى إجراء تعديلات وزارية، فيتم سحب مجموعة من الوزراء وإحلال آخرين محلهم.
ذلك تفسير الخطوة الأخيرة التى اتخذها المجلس الانتقالى فى السودان بإجراء التعديل الوزارى الأخير. فالمسألة لا تزيد على محاولة لإسكات الأصوات الشاكية من الأزمات المعيشية. الشعوب لا تريد تغييراً فى الوجوه قدر ما هى بحاجة إلى تغيير السياسات.
يأتى الوزير الجديد بحقيبة وعود سرعان ما تتلاشى وتذروها رياح الواقع. وزير المالية السودانى المكلف جبريل إبراهيم - على سبيل المثال - غرد للمواطن السودانى بوعد يقول فيه إنه لن يغمض له جفن حتى تختفى صفوف الخبز والمحروقات وتوفير الدواء المنقذ للحياة بسعر مقدور عليه.
الوعود وليس الصفوف هى التى ستختفى بمرور الوقت، وسوف يسمع المواطن أحاديث مغايرة عن دوره المفقود فى حل مشكلات بلاده كسبب رئيسى لما يعانيه.. ستسقط الكرة سريعاً فى حجر الشعب ما لم تتغير السياسات.
ثمة علتان أساسيتان تحولان دون حل مشكلات الشعوب مهما تغيرت وجوه المسئولين عن صناعة القرار.. هما الفساد والعجز.
منذ ما يقرب من أسبوعين أعلنت منظمة الشفافية العالمية ترتيب الدول على مؤشر الفساد، فظهرت السودان ضمن الدول الست الأكثر فساداً على مستوى العالم.
الفساد كما يتردد على اللسان العربى موجود فى كل مكان وزمان. لكن السؤال ما نسبته وما ترتيب الدولة على سلم الفساد العالمى؟.
الفساد فى دولة مثل العراق أضاع على الشعب مليارات ممليرة من الدولارات بعد أن تفشى فى كل مفاصل الدولة عقب الغزو الأمريكى واحتلال بغداد عام 2003. هذه المليارات كانت كفيلة بحل كل المشكلات المعيشية التى يعانى منها المواطن العراقى والتى تدفعه إلى الخروج والتظاهر حالياً.
السودان يعانى من فساد مُستشرٍ فى قطاعات عديدة.. وهو فساد تراكم واستفحل عبر العقود الثلاثة الماضية. بعدها ثار السودانيون مطالبين بحياة أفضل.. فماذا كانت النتيجة؟.. الفساد ما زال الأقوى.
أما العجز فحدّث عنه فى الواقع العربى دون حرج.
معايير اختيار المسئولين فى دولة مثل السودان - شأنها شأن العديد من الدول العربية الأخرى - أبعد ما تكون عن اختيار الأكفأ، وأميل إلى اختيار أصحاب الولاءات.
الشخص معدوم الكفاءة لا يميل إلى التفكير أو إعمال العقل أو الاجتهاد فى حل المشكلات، ولا يجد غضاضة فى أن يحس بالعجز وعدم القدرة على حل المشكلات.. كيف تطلب من عاجز عن التفكير أن يجتهد فى حل مشكلة؟ وإذا اقترن عدم الكفاءة بالعجز - وكثيراً ما يقترنان - نصبح أمام مشكلة مزدوجة يتحول فيها الشخص إلى آلة تحقيق مكتسبات وجنى مغانم. وتتفاقم المشكلة أكثر وأكثر عندما تغيب الرقابة.
معاناة المواطن السودانى وغيره من مواطنى الدول العربية سوف تتوقف فى اللحظة التى يدرك فيها أن هاتين العلتين «العجز والفساد» سر أزمته، ويعلم أن الثورة الحقيقية لا بد أن تكون عليهما.