توقيت القاهرة المحلي 14:21:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حلم "المدائن" وقهرها

  مصر اليوم -

حلم المدائن وقهرها

بقلم: د. محمود خليل

قد لا نكون مبالغين إذا قلنا إن نظرة الفرس إلى العرب قبل الإسلام حكمها الصلف والاستعلاء، فقد كانوا أبناء حضارة وبناة قصور ومشرّعى قوانين فى وقت كان فيه العرب يعيشون فى الخيام تلفحهم نار الصحراء، وتشقق رمالها أقدامهم، غارقين فى الاقتتال القبلى لأتفه الأسباب.

نعم كان للعرب سياسة لكن تحكمها العصبية، وثقافة لكن يحكمها التراوح ما بين المتناقضات (المدح والذم)، (الإطراء والهجاء)، (الغزل والرثاء).

يذهب «العقاد» فى كتابه «عبقرية خالد» إلى أن قبيلة قريش امتازت -قبل البعثة- بالكثير من الخصال على مستوى الإدارة والحكم. وأن قريشاً مثلت عاصمة العواصم العربية من الوجهة الثقافية والأدبية، وكانت تجمع كل ما تفرق فى أبناء الجزيرة من المزايا والمعارف والصفات، وكانت وسطاً بين الحضارة والبداوة. وكان للعرب، وخصوصاً قريش، خبرة فى السياسة والنظم الحكومية لا يستخف بها من ينفذ إلى بواطنها.

ورغم وجاهة الطرح الذى يقدمه «العقاد» إلا أن قريشاً كانت استثناءً فى ما سادها من انضباط بين قبائل الجزيرة العربية، والأهم أن كل ما استحلبه «العقاد» من استخلاصات حاول أن يثبت بها مكانة قريش وأحقيتها فى النهوض بالحكم بعد وفاة النبى، لا تجعلها -بحال- تدانى ما كان عليه الفرس من تحضّر وتنور خلال الفترة التى سبقت ظهور الإسلام.

وكان القسم العربى القريب من فارس خاضعاً لها، ويتولى أمره حكام تابعون للمدائن عاصمة الفرس. ونقصد بذلك دولة المناذرة التى تأسست على التبعية لكسرى فارس. وكان موطنها العراق، ورئيسها يلقب بـ«ملك العرب»، ويخضع بشكل كامل لإمبراطور العجم «كسرى».

وكانت مملكة المناذرة تمثل رأس حربة متقدماً للفرس فى بلاد العرب. فقد كانت العراق تاريخياً ساحة المواجهة الأولى بين العرب والفرس، كما هى حالياً. وكأن ذلك قدر هذه الدولة.

لم يكن الفرس يكترثون كثيراً بالعرب قبل بعثة محمد، صلى الله عليه وسلم، وكذلك طوال حياته. وتذكر كتب السيرة أن النبى وجّه جيشاً لقتال الغساسنة بالشام، وكانت خاضعة لحماية الروم البيزنطيين، لما قتل مبعوثه إلى عظيم الروم على يد رجل من الغساسنة، وذلك فى غزوة مؤتة، ورغم أن كتب السيرة تذكر أن كسرى فارس مزّق رسالة النبى التى يدعوه فيها إلى الإسلام، إلا أنه، صلى الله عليه وسلم، لم يجرد جيشاً لغزو دولة المناذرة (بالعراق)، كما فعل مع الغساسنة بالشام.

واللافت فى الأمر أن نظرة «المسلمين العرب» إلى «الفرس» كانت نظرة بُغض، وكانوا يحملون فى نفوسهم ضغينة واضحة لهم، وذلك خلافاً للمشركين من العرب الذين سجلت آيات القرآن الكريم فرحتهم ومكايدتهم للمسلمين لما هزم الروم أمام الفرس. وذلك فى السورة الكريمة التى كان عنوانها «الروم». وكان الروم حينذاك الأقرب إلى نفوس المسلمين، وقد ابتأسوا كثيراً لهزيمتهم أمام الفرس.

أياً كان الأمر، فقد واجه المسلمون الروم فى غزوتين: هما مؤتة وتبوك وانتهت الغزوة الأولى بانسحاب، والثانية دون قتال. ورغم ذلك عاش المسلمون الأوائل بإحساس بالبغضاء والكراهية ناحية الفرس أكثر من الروم.

واللافت أن النبى وعد صحابته وهم يعيشون امتحاناً عسيراً فى حفر الخندق خلال غزوة الأحزاب، بمُلك كسرى. وأثناء الهجرة وعد النبى، صلى الله عليه وسلم، سراقة بن مالك بسوار كسرى وتاجه.

وأجد أن هذه الوعود تشف عن حالة الانبهار التى كان يتعامل بها عرب مكة مع بلاد فارس وكسرى فارس، فقد كانوا مولعين بكل ما هو فارسى، وهو ولع قد يجد تفسيره فى المبدأ الذى استنه «ابن خلدون» المتعلق بولع المغلوب بالغالب.

ويبدو أن الصلف الفارسى فى التعامل مع العرب آتى أكله مع مشركى مكة، فعاشوا بعقدة حضارية أو إحساس بالهزيمة أمام الفرس. وهو إحساس تم القضاء عليه بعد ذلك عندما تمكن المسلمون من غزو بلاد فارس فى عصر عمر بن الخطاب.

ومن الضرورة بمكان أن نشير إلى أن المسلمين لم يفكروا فى غزو فارس إلا بعد أن أسقطوا دولة الروم فى الشام، وذلك فى موقعة اليرموك. بعدها توجّهت الأنظار إلى دولة الفرس فى العراق وما وراءها. وكان ذلك فى سنة 16 هجرية.

وكان المثنى بن حارثة هو أول من طرح على عمر بن الخطاب فكرة غزو بلاد فارس، حين لاحظ ما أصاب أهلها من استرخاء نتيجة الرخاء والثراء.

اقتنع «عمر» بفكرة «المثنى» وأمر جماعة من المسلمين بالزحف نحو بلاد فارس تحت قيادة أبى عبيد بن مسعود. وكانت واقعة شديدة الهول أطلق عليها «موقعة الجسر». وقد خسرها العرب وقتل قائدهم «ابن مسعود» ولم ينج من الموت إلا القليل من المحظوظين، ولما وصلت أخبار الهزيمة الموجعة إلى عمر بن الخطاب شرع يبكى بكاء مراً وبكى المسلمون من حوله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلم المدائن وقهرها حلم المدائن وقهرها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon