توقيت القاهرة المحلي 18:52:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التوت و"نبوت كورونا"

  مصر اليوم -

التوت ونبوت كورونا

بقلم: د. محمود خليل

فى الحكاية العاشرة من حكايات الحرافيش، وعنوانها «التوت والنبوت»، يعالج نجيب محفوظ واحدة من كبرى الإشكاليات فى حياة البشر.

إنها إشكالية الحيرة بين رغيف العيش والقوة، ووضع الأولوية لرغيف العيش حتى ولو كان فى ذلك تهديد لأى جانب من جوانب إنسانية الإنسان: صحته، كرامته، حريته.

يواجه الإنسان المعاصر نفس المأزق الذى واجهه حرافيش نجيب محفوظ.

إنسان العصر يجد نفسه فى حيرة بين النزول والعمل للحصول على القوت وبين الخوف من «نبوت كورونا» الذى توحش وأصبح يضرب فى كل اتجاه، وكلما استطاع الطب أن يحاصر سلالة منه عاند وتحور فى سلالة جديدة تزيد من سقوط أهل الطب فى بئر الحيرة والاضطراب.

منذ ساعات أعلنت بريطانيا الطوارئ فى مواجهة سلالة جديدة من فيروس كورونا أسرع انتشاراً وأقدر على الضرب والإصابة. وزير الصحة البريطانى أعلن أن الحالات آخذة فى الارتفاع فى وسط لندن وأن أرقام الإصابة اليومية يمكن أن تتضاعف خلال أسبوع واحد.

تصريح الوزير قوبل بقدر واضح من القلق من جانب المواطن البريطانى الذى يخشى العودة إلى سياسات الإغلاق بما لها من تأثيرات اقتصادية سلبية عليه، وبدأ البعض يعلن عن تململه ورفضه تلويحات الحكومة بذلك.

بدوره علَّق وزير الصحة البريطانى على ذلك بقوله: «أتفهم التأثير على الاقتصاد، لكن النصيحة العامة الواضحة للغاية هى أن مناطق لندن يجب أن تتحرك معاً، لأن جميع المناطق تشهد زيادة فى الحالات، ونحن بحاجة إلى وقف ذلك».

الناس معذورة فهى تريد الحصول على القوت، والجلوس فى البيوت يضعهم فى مآزق اقتصادية ومعيشية لا حصر لها، والبعض يفضل الموت بـ«كورونا» على الموت جوعاً.

والمشكلة أن الحكومات تعانى هى الأخرى. فالإغلاق له تأثيرات بالغة الضرر على مصادر الدخل القومى، فى وقت تكون مطالبة فيه بتعظيم مواردها حتى تتمكن من تقديم الدعم المطلوب للجالسين فى البيوت، ممن يكسبون قوتهم يوماً بيوم.

حوار وزير الصحة البريطانى مع مواطنيه لا يختلف كثيراً عن حوار عاشور الصغير مع الحرافيش فى الحكاية العاشرة من ملحمة نجيب محفوظ.

أراد عاشور الصغير أن يلقن الحرافيش درساً ملخصه أن وضع القوت فى الأولوية كفيل بتدمير حياة الإنسان.

سألهم: ما الذى يعيد الحارة إلى سيرتها الأولى؟. رد الحرافيش: أن يعود الناجى الكبير. قال عاشور: الميت لا يعود. رد أحدهم: ينقصنا رغيف الخبر. صرخ عاشور: اللى ناقصكم القوة. ردوا: الرغيف أسهل، صرخ: القوة أشرف وأكرم.

تبدو المفاضلة ما بين القوت وأى تهديد يواجهه الإنسان إشكالية كبرى فى كل العصور وداخل كل البيئات.

البشر أصحاب النظر القصير الذين لا تبارح نظرتهم أقدامهم لا يعدلون عن رغيف العيش بشىء ويرونه إكسير الحياة وأن أى تهديد يهون أمامه، والنتيجة أنهم يخسرون رغيف العيش والحياة معاً.

وآخرون لا يجدون طعماً للرغيف المغلَّف بالتهديد أو الذل أو إهدار الكرامة.

لا بد للبشر من البحث عن معادلة وسط تحميهم من التهديدات المدمرة للحياة وفى الوقت نفسه تحفظ لهم رغيف العيش.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوت ونبوت كورونا التوت ونبوت كورونا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon