رحلة التقارب المصرى - الأمريكى فى عصر الرئيس السادات -رحمه الله- بدأت عقب حرب أكتوبر المجيدة. استقبلت مصر وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر فى مفاوضات فض الاشتباك. واستقبلت الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون استقبالاً حاشداً، وأخذت العلاقات بين البلدين فى التحسن.
فتح «السادات» باب الاقتصاد عام 1974 بصدور قانون الانفتاح الاقتصادى، وتأخر فى فتح باب السياسة إلى عام 1976. لا تستطيع أن تعتمد سياسة الباب المفتوح فى الاقتصاد لجلب الاستثمارات ومنح رأس المال الخاص حرية التحرك والعمل، دون أن يسندها فتح المجال العام «السياسى».
تأخر السادات ما يقرب من سنتين حتى اعتمد سياسة الباب المفتوح فى السياسة، فحول منابر الاتحاد الاشتراكى إلى أحزاب، وسمح بوجود صحف حزبية معارضة، وبدأت الأقلام تنتقد لأول مرة أداء مؤسسات الدولة وتوجهاتها الانفتاحية وخياراتها الخارجية.
لم يسمح السادات -رحمه الله- فى الراديو والتليفزيون بما سمح به فى الصحافة، فظل الإعلام الإذاعى والتليفزيونى أحادى الاتجاه، يعبر عن توجهات السلطة، فى حين تحقق نوع من «التعددية» النسبية داخل المحتوى الصحفى، فتنوعت وجهات النظر المتاحة على سطوره.
السادات كان لديه «حسبة» معينة وهو يتمسك بأحادية الخطاب الإذاعى والتليفزيونى ويتيح فرص التعددية فى الصحافة. فقد كان ثمة قناعة واضحة لدى صانع القرار بأن الصحف لا يقرأها سوى القليل من المصريين، وبالتالى فلا يوجد خوف منها بسبب ضعف التأثير، على عكس الوسيطين الإذاعى والتليفزيونى القادرين على الوصول إلى كل قطاعات المجتمع، بمن فى ذلك الأميون.
ولعلك تعلم أن ثمة «حسبة تاريخية» لدى صناع القرار فى مصر ترى أن المواطن الأمى يمكن تضليله عبر الدعايات الموجهة والأفكار المغرضة، مما لا يؤهله لحياة ديمقراطية سليمة. ورغم تاريخيتها، تتناقض هذه الحسبة مع واقع التجربة التاريخية للمواطن المصرى الذى أدى بأعلى درجات الوعى أيام ثورة 1919 وما بعدها، رغم أنه كان أقل تعليماً مما كان عليه فيما بعد. والوعى يتفوق فى أهميته على التعليم.
بعد تحول المنابر إلى أحزاب سياسية (نوفمبر 1976) فوجئ السادات فى يناير 1977 بمظاهرات الخبز الشهيرة. لحظتها أحس السادات بخطورة فتح -أو مواربة إذا شئت الدقة- باب السياسة، لكنه لم يكن يملك العودة إلى الإغلاق، فحسب «حسبة» جديدة قرر معها فتح المجال العام لجماعة الإخوان لكى تلعب دوراً فى ابتلاع التيارات اليسارية والناصرية التى حمَّلها «السادات» مسئولية ما حدث فى يناير 1977.
«الحسبة» كانت متسرعة هذه المرة. فطالب الخبز أو العدالة أو الكرامة غير طالب الحكم. وقد كان الإخوان -ولا يزالون- طلاب حكم، وقد سارعوا فى السعى نحو هذا الهدف، بمجرد أن فتح لهم المجال.
لا بأس أن يسعى حزب سياسى إلى الحكم فتلك طبائع الأمور فى أية ديمقراطية، بشرط أن يكون حزباً سياسياً حقيقياً وليس جماعة دينية تتخذ من المقدس الدينى وسيلة لتحقيق مآرب دنيوية، حتى إذا وصلت إلى الحكم سارعت إلى الاستبداد بالأمر.
اتهم «السادات» الإخوان بالخلط بين الدين والسياسة، والمشكلة أنه كان هو الآخر يخلط بينهما حينما كان يجد مصلحة فى ذلك.
«السادات» -رحمه الله- كان حائراً بين رغبته فى إحداث التحول الديمقراطى وخوفه من أن يؤدى ذلك إلى تهديد سلطته فكان يقدم قدماً ويؤخر أخرى، يرحب بوجود فصيل ثم يطارده، لذا فقد كانت حساباته «ملخبطة».
صعب للغاية أن يفلح رجل فى إقناع امرأة بـ«زواج دون إنجاب».. باب الإنجاب لا بد أن يبقى مفتوحاً.