شعوب أمريكا اللاتينية هى أشبه شعوب الأرض بالعرب عامة وبالمصريين خاصة.. وجوهر التشابه يتمثل فى فكرة «الولع بالبطل القومى».
الظرف يخلق التركيبة الإنسانية. فالإنسان ابن ظروفه. وعندما تتشابه الظروف فما أسهل أن تتشابه شخصيات البشر.
ذلك ما تحكيه ببساطة مظاهرة الحزن التى قابل بها العرب والمصريون وفاة لاعب الكرة الملهم «دييجو أرماندو مارادونا» الذى اعتبره الكثيرون بطلاً قومياً احتفوا بموقفه الداعم للقضايا العربية، خصوصاً القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى دفاعه المخلص عن الفقراء والمهمشين فى بلاده وفى دول العالم المختلفة.
مارادونا جزء من ذاكرة جيل الثمانينات الذى عشق فنه فى لعب كرة القدم. من عاصر هذه الحقبة يتذكر جيداً النقاشات التى لم تكن تصل إلى نتيجة حاسمة حول من منهما الجدير بتاج الملك على عرش الكرة العالمية: بيليه جوهرة البرازيل السوداء، أم مارادونا فتى الأرجنتين المدلل؟.
فى البرازيل كان الشعب ينظر إلى بيليه كملك متوج على عرش الكرة العالمية، فهو الذى شارك فى فوز البرازيل بكأس العالم لثلاث مرات، فى إنجاز غير مسبوق.
وعندما زار «بيليه» مصر مع فريق «سانتوس» أوائل السبعينات للعب مباراة ودية مع فريق الأهلى استقبله المصريون استقبال الفاتحين وانقلبت مصر كلها يوم المباراة، وقبلها انخرط الجميع فى أحاديث لا تنتهى عن قدرات «بيليه»، تختلط فيها الحقائق بالأساطير.
فى الأرجنتين توج البسطاء «مارادونا» ملكاً على عرش الكرة العالمية، وأميراً على قلوبهم التى داعبتها آراؤه السياسية المدافعة عن حق الإنسان فى حياة كريمة، ليس فى الأرجنتين، أو أمريكا اللاتينية وحدها، بل فى دول العالم ككل.
شعوب أمريكا اللاتينية -مثلنا- تبحث عن بطل قومى تتحلق حوله. وهى -مثلنا- أيضاً قادرة على الصفح عن كل زلات وأخطاء البطل الذى تحبه، مثلما فعلت مع مارادونا.
فالحكمة التاريخية علمتها أن الأخطاء والعثرات جزء من حركة الإنسان على الأرض، وعلمتها أيضاً ألا تتعامل مع الإنسان بالقطعة، بل مع تجربته الحياتية ككل.
لقد وصل الأمر بشعب لاتينى مثل الشعب الكولومبى إلى حد تمجيد أكبر تاجر مخدرات عرفته البشرية، وهو بابلو إسكوبار. وهو بالمناسبة واحد من كبار عشاق كرة القدم وكان ذلك يقربه من الجماهير ويقرب الجماهير منه. كما وظف الأعمال الخيرية السخية التى كان يقوم بها لصالح الفقراء لمد مظلة شعبيته إلى المزيد من الأنحاء.
وخلافاً لمارادونا الذى نادى بأفكار سياسية وإنسانية من خلال سفراته ورحلاته عبر العالم، انخرط بابلو فى عالم السياسة بشكل عملى وواقعى، وتمكن من شغل مقعد داخل مجلس النواب الكولومبى، ثم طرد منه، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة عطائه للفقراء الذين تحلقوا حوله أو عملوا معه.
لقد بلغ الأمر ببابلو إسكوبار حد تحول البسطاء فى كولومبيا إلى أعضاء عاملين أو متعاطفين مع عصابته.
ظلت عصابة الفقراء تلك تدافع عن «إسكوبار» خلال حياته وحتى مقتله على يد الشرطة الأمريكية المتعاونة مع شرطة كولومبيا.
وحتى اللحظة ما زال «إسكوبار» -إمبراطور المخدرات- ملكاً متوجاً على قلوب البسطاء فى أمريكا اللاتينية، تلك القلوب التى لم تجد أبطالاً تستطيع التحلق حولها فى دنيا السياسة، فاتجهت إلى عالم المخدرات والكرة.