بقلم: د. محمود خليل
قبل أيام من انعقاد جلسة الكونجرس الأمريكى للتصديق على فوز «بايدن» بالانتخابات كانت الاستعدادات داخل جماعة «براود بويز» تجرى على قدم وساق. بينما كان أعضاء الجماعة منهمكين فى إعداد السلاح والرايات وترتيب الهتافات التى ستدوّى بها حناجرهم أمام الكونجرس ليعبروا بها عن رفضهم سرقة الانتخابات من محبوبهم «ترامب» وتزويرها لصالح «بايدن»، وصلهم خبر باعتقال زعيمهم «إنريكى تاريو».
خلال الأيام الأخيرة كانت هناك جملة واحدة تتردد على لسان «تاريو» هى: «أوقفوا السرقة»، يقصد سرقة الانتخابات من «ترامب»، ومن خلفه كانت حناجر تابعيه المخلصين تدوّى بها. أطار الغضب عقول أعضاء الجماعة بعد القبض على زعيمهم، فما كان منهم إلا أن تسلّحوا بكل ما يمكن أن تصل إليهم أيديهم من أدوات عنف استعداداً لليوم الموعود.
مع مطلع شمس يوم 6 يناير الجارى بدأ الـ«براود بويز» يتحركون ويحشدون كل من استطاعوا من أنصار المرشح الخاسر دونالد ترامب، حتى وصل الركب إلى البيت الأبيض، ليستمعوا إلى كلمة المرشد الأعلى لهم.
دوّت حنجرة «ترامب» أمام الحشد بكلام كثير، أنصت إليه «البويز» حتى انطلق لسانه مردداً كلمة السر: «أوقفوا السرقة». إنها الجملة التى كان يرددها باستمرار زعيمهم الميدانى «إنريكى تاريو».
هنالك تحرك أعضاء الجماعة ومن انضم إليهم إلى مبنى الكونجرس، لينسجوا خيوط المشهد الذى عاينه مواطنو العالم والدهشة تأكل أعينهم، وهم يرون أمريكا بجلالة قدرها تتحول إلى جمهورية من جمهوريات الموز.
فى معمعة الاقتحام سقط 5 قتلى، غير المصابين.
انطلقت حناجر المحافظين تشجب وتدين ما حدث، متهمة «ترامب» بالتحريض على العنف وإراقة الدماء واقتحام كبرى المؤسسات الرمزية للدولة الأمريكية. الاتهام كانت له وجاهته، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار أن جماعة «براود بويز» تأسست عام 2016، أى فى العام نفسه الذى شهد انتخاب «ترامب» كرئيس للولايات المتحدة، وثمة قرائن أخرى تدلل على أن الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته هو «راعى إرهاب» الأشقياء من «البويز»، منها تبنيهم لنفس الأفكار والشعارات التى يدافع عنها «ترامب»، بدءاً من «حق العرق الأبيض فى حكم أمريكا» وانتهاءً بـ«أوقفوا سرقة الانتخابات». لم تظهر بعد قرائن تدلل على أن «ترامب» يرعى الجماعة بالمال.
اتهامات الديمقراطيين لـ«ترامب» برعاية الإرهاب والتحريض على العنف عبر ميليشيا مسلحة كانت لها حيثياتها.
قى المقابل لم يسكت بعض الجمهوريين وهم يجدون الاتهامات تكال لهم، فوجهوا اتهامات شبيهة للمحافظين برعاية جماعة «حياة السود مهمة»، وهى الجماعة التى لا تقل تشدداً عن جماعة الـ«براود بويز»، كما أنها لا ترى غضاضة أيضاً فى حمل السلاح ضد الداعين إلى نفى «العرق الأسود». تحدث عدد من الجمهوريين عن مظاهرات السود وما حدث فيها من أعمال شغب وتدمير وحرق وسلب ونهب، وتعجبوا من أمر الديمقراطيين المندهشين من اقتحام أنصار «العرق الأبيض» للكونجرس.
حديث الجمهوريين أيضاً له حيثياته ووجاهته. فالإرهاب من كلا الطرفين يتم برعاية رسمية من نوع ما.
عندما يصبح الإرهاب مدعوماً بمسئولين يجلسون على مقاعد السلطة تصبح الأمم على المحك. وذلك بالضبط هو الوضع الذى تعيشه الولايات المتحدة الآن. لقد نجح «ترامب» فى وضع الإسفين وزرع القنبلة، وأصبح الأمريكيون منقسمين ما بين «أنصار العرق الأبيض» و«أنصار العرق الأسود»، ووضع مستقبل أمريكا على المحك.
وتلك مآلات الأمور عندما تسلّم الشعوب أدمغتها للحماقة.