بعيداً عن الجدل المثار حالياً حول موضوع «زواج التجربة»، أجد من المهم أن يتنبه المجتمع إلى خطر قادم يتعلق بموقف الأجيال الجديدة من فكرة الزواج نفسها واتجاههم نحو مؤسسة الأسرة.
ربط الزواج بـ«مبدأ التجربة» يمنحنا مؤشراً على وجود حالة توجس من جانب الطرفين من إمكانية نجاح الزواج، لذا يتم ربطه بفترة زمنية معينة، ويتراضى الطرفان على وضع شروط معينة لاستمرارها.
قبل طرح فكرة «زواج التجربة» ظهرت أفكار أخرى عديدة قد تكون أشد خطورة منها، مثل فكرة «السنجل مازر» ولعلك تذكر الجدل الذى أثير أوائل 2017 حول إحدى الفتيات التى أعلنت أنها حملت بطفل خارج مؤسسة الزواج الرسمى، وطالبت باستخراج شهادة ميلاد له حتى لو نسب إليها إذا لم يعترف به الأب.
واقعة تداول قطع الجاتوه الخادشة للحياء فى حفل عيد الميلاد الذى شهده نادى الجزيرة مؤخراً قد يراها البعض بعيدة عن موضوع «زواج التجربة»، لكننى أظن أنها تشكل جزءاً من كلٍّ كبير يتعلق بالتحول الحاصل فى النظر إلى الأفكار المحلية حول العلاقة بين الرجل والمرأة.
الأجيال الجديدة لها فكرها الخاص. وهو فكر تراكم واختمر فى سياقات تختلف كل الاختلاف عن السياقات التى تشكل فيها فكر الجيل القديم حول مسألة الزواج.
نحن أمام جيل تسهم فى تكوين ذهنية قطاع منه روافد لا علاقة لها بالثقافة والقيم المحلية. قطاع يتعلم فى مدارس تنعت بـ«الأجنبية»، ويستمع إلى أغانٍ أجنبية، ويتميز فى العمل بما لديه من لغات أجنبية، ويفضل مشاهدة الأفلام الأجنبية.
يتشرب الشباب من هذه المصادر الأجنبية أفكاراً مغايرة، أو قيماً تدعوه إلى إعادة النظر فى الأفكار التقليدية التى تربى عليها، مثل فكرة العلاقة بين الشاب والفتاة ومؤسسة الزواج.
وفى ظل الإمكانيات التى تتيحها مواقع التواصل الاجتماعى للتفاعل ما بين القطاعات المختلفة للشباب يتم تداول العديد من الأفكار التى تضعها الأجيال الأقدم فى خانة «الشذوذ» والخروج على القيم المألوفة والسائدة داخل المجتمع، من نوع زواج التجربة والسنجل مازر وزواج الدم وخلافه.
خلال الفترة الحالية يتوقف التعاطى مع هذه الأفكار عند مرحلة الطرح وإثارة الجدل الاجتماعى حولها، ثم تتلاشى وتختفى، ويتوقف الأمر عند هذا الحد، حتى تظهر فكرة جديدة أخرى.
الأمر مستقبلاً قد يتجاوز عتبة الطرح وإثارة الجدل إلى منصة التفعيل، بغض النظر عن مسألة رفض أو قبول المجتمع لهذه الأفكار. ومع انتشار فكرة معينة من الممكن أن يتقبلها المجتمع كأمر واقع حتى إذا كان غير مؤمن بها.
مسألة الرفض المندفع للأفكار، دون تقديم البديل المناسب، يضر أكثر مما ينفع.
الدنيا ومعطياتها تتغير والشباب يتفاعل بصورة أسرع مع الجديد، وإذا كان المجتمع جاداً فى حماية قيمه وثوابته، فعليه أن يتغير هو الآخر.
على سبيل المثال: العديد من الطقوس الحالية المرتبطة بمؤسسة الزواج، مثل الشبكة والمهور، ونوع السكن ومستواه، وغير ذلك من أمور لا بد أن تتغير، وأن يتعامل الناس بنظرة أكثر عملية إلى مسألة الارتباط.
على المجتمع أن يبادر ويتغير حتى لا نفاجأ بالأشد قسوة.