توقيت القاهرة المحلي 00:57:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السكان.. والزائدة الدودية

  مصر اليوم -

السكان والزائدة الدودية

بقلم: د. محمود خليل

تنظيم الأسرة ثقافة وليس إعلاماً.. تلك حقيقة تؤكدها التجربة المصرية.

منذ الستينات من القرن الماضى وثمة تحذيرات رسمية من مخاطر الزيادة السكانية على جهود التنمية.

فى كل الأحوال كانت وسائل الإعلام تتلقف التحذير الرسمى وتعيد إنتاجه فى شكل رسائل إعلامية تستمر لفترة من الوقت، وتحاول توعية المتلقى بمخاطر كثرة الإنجاب وتأثيراتها السلبية على مستقبل الفرد والمجموع.

تحدث الرئيس عبدالناصر عن «تنظيم الأسرة» فتمدد الحديث عنها داخل الصحف وفى الإذاعة والتليفزيون ووصل الأمر إلى الأزهر فأصدر الشيخ محمود شلتوت كتيباً يؤكد فيه أن الدين لا يمانع فى تنظيم الإنجاب.

الأمر نفسه تكرر أيام الرئيس السادات، ثم فى عصر مبارك، ونشط صناع الإعلام فى تدشين حملات إعلامية مطوَّلة تستهدف توعية الناس بأهمية تنظيم الأسرة.

لم تؤدِّ هذه الجهود الإعلامية المتصلة التى انفجرت جهودٌ شبيهة بها فى الوقت الحالى إلى حل واحدة من أخطر المعضلات التى نواجهها كمصريين، والمتمثلة فى نمو السكان بشكل لا يتعادل مع نمو الموارد، الأمر الذى يخلق مشكلات معيشية لا تنتهى، فى الصحة والتعليم والنقل والمواصلات والإسكان والتوظيف وخلافه.

المسألة ليست إعلاماً قدر ما هى ثقافة. وثقافة المصريين بمكوناتها الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تجد غضاضة فى كثرة الإنجاب.

الثقافة الدينية (بمعنى فهم الناس للدين) تلتفت إلى حديث «تناكحوا تناسلوا»، ولا تلتفت إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل».. تلتفت إلى قوله تعالى: «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق» كآية كريمة لا تتصل من قريب أو بعيد بمسألة تنظيم الإنجاب، بل تتعلق بقتل أحياء يسعون، ولا تنتبه إلى قوله تعالى: «إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين» والتى جعلت الفرد القوى يعادل 20 من الضعفاء.

الثقافة الاقتصادية التى يسودها الفقر تحفز أيضاً على الإنجاب، حين تجد فى كثرة العيال أداة لجلب المال، عن طريق تشغيل الجميع، بشكل يؤدى إلى طوابير من الضعفاء.

الثقافة الاجتماعية التى لا تزال تؤثِر الذكر على الأنثى مهملة قوله تعالى «يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور»، تدعم أيضاً فكرة العَدْو وراء الإنجاب.

كذلك الثقافة السياسية التى تنظر إلى تنظيم الأسرة كرسالة سلطوية يجب التمرد عليها عبر كثرة الإنجاب تفاقم من المشكلة، خصوصاً حين تتلقف آلة الإعلام التى ينظر الكثيرون إليها كإحدى أدوات السلطة رسالتها وتحاول إقناع الناس بها، دون مبادرة أصيلة من القائمين عليها.

تغيير الثقافة الداعمة لكثرة الإنجاب يتطلب كخطوة أولى أن تكون فكرة تنظيم الأسرة أولوية أصيلة لدى كل المؤسسات المسئولة عن تكوين العقل الجمعى، لا ترتبط بعصر أو نظام سياسى أو فترة زمنية معينة، ويتطلب كخطوة ثانية أن تكون رسالة تنظيم الإنجاب مكوناً من مكونات التعليم والإعلام والدراما والفكر والفن والخطاب الدينى.

نحن لدينا فى مصر وزارة يعرف أغلب الناس أن اسمها «وزارة الصحة» رغم أن مسماها الرسمى هو «وزارة الصحة والسكان»، والسر فى ذلك أنها لا تقوم بجهد حقيقى فى مجال التنظيم السكانى!

بصراحة مصر بحاجة إلى وزارة قوية للسكان يكون هدفها الأول تغيير الثقافة الداعمة لكثرة الإنجاب، لأننا طيلة السنين السابقة لم نلتفت إلا إلى أساليب التنظيم عبر التعامل مع الجسد، وأهملنا بصورة أو بأخرى التعامل مع العقل.

وكأن العقل زائدة دودية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السكان والزائدة الدودية السكان والزائدة الدودية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:09 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة
  مصر اليوم - مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 09:24 2023 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى إبراهيم تكشف كيف تظهر بصحة جيدة رغم محاربتها المرض

GMT 11:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات العبايات الأنيقة والعصرية هذا العام

GMT 08:58 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

روتين ضروري قبل النوم للحفاظ على نضارة البشرة

GMT 07:12 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يعلق على رسالة طارق حامد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon