فى لمح البصر وبوباء مثل أوبئة كثيرة عرفها الإنسان، تحول الكوكب كله إلى ما يمكن وصفه بـ«أرض الخوف».
خاض البشر تجربة «كوفيد 19» الأولى أوائل العام الحالى وما تبعها من إجراءات إغلاق. لم يستطع أغلبهم تحديد حجم الخطر المرتبط بالفيروس أو تقييم النتائج المترتبة على الإغلاق، ولكن بمرور الوقت بدأت الأمور تتكشف فسكنهم إحساس بالاضطراب والارتباك.
خلال أشهر الصيف الماضى بدأت الأمور تتحسن بعض الشىء على مستوى انتشارية الفيروس، وعودة الحياة إلى طبيعتها، فتفاءل الناس بالقادم.
اختلفت الأمور مع دخول فصل الخريف، حيث عاد منحنى الفيروس إلى الصعود، ومع هبوب رياح أول يوم من أيام الشتاء (21 ديسمبر) فوجئ أهل الأرض بظهور «كوفيد الابن» المتحور عن «كوفيد الأب»، وهو فيروس أسرع انتشاراً من سابقه.
هنالك سكن الناس إحساس خطير بالخوف، وتضاعف خوفهم وهم يتوقعون النتائج التى سوف تترتب على لجوء الحكومات إلى الإغلاق. الخوف إحساس بشرى طبيعى. فكل الناس يخافون، بل قل إن الله تعالى خوّف الإنسان من الأرض منذ بدء الخليقة، وحذر آدم وحواء من الخروج من الجنة ويكون مصيره إلى أرض الشقاء «فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى».
الخوف شكل من أشكال الابتلاء فى الحياة على الأرض، بل قد يكون أخطر هذه الأشياء. يقول الله تعالى: «ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال». فالخوف أعظم خطراً من الجوع ونقص الأموال، لذا فقد تقدم عليهما فى الآية الكريمة.
والله تعالى لا يتحدث عن خوف كامل شامل، بل عن «شىء من الخوف». وعلينا ألا ننسى أن المهمة المقدسة التى أخذها الشيطان على عاتقه بهدف ركوب البشر تبلورت فى الخوف: «إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين».
«شىء من الخوف» قد يصلح حال الإنسان على الأرض، لكن سيطرة الخوف بشكل كامل على الحياة والأحياء، يعطل كل حى ويوقف دوران الحياة.
من الطبيعى أن نخاف من ابتلاءات الحياة، لكن علينا ألا نعمق الخوف بداخلنا بهذه الصورة.
ولو أنك لاحظت أداء وسائل الإعلام أو محتوى وسائل التواصل الاجتماعى خلال الأيام الأخيرة فستجد أنها تبالغ فى تخويف الناس وإرعابهم بصورة غير طبيعية.
منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها يمرض أناس فى كل لحظة.. ويموت أناس فى كل لحظة.. ليس المرض أو الموت بالأحداث الجديدة فى دنيا البشر. وكذلك الأوبئة ليست بجديدة هى الأخرى.
الجديد فى هذا العصر هو أداء الإعلام التقليدى والإعلام الافتراضى الذى يغذى البشر بأحاسيس متفاوتة من الخوف، وكأنه يريد ركوب عقل ووجدان الناس، مثلما يركب الشيطان أولياءه عن طريق تخويفهم.
الخوف إحساس ضمن مجموعة من الأحاسيس التى تحكم حياة البشر. وكما قلت لك فإن «شيئاً من الخوف» مطلوب من أجل دفع الإنسان إلى التحفظ والاحتراس والتماس السبل التى تحول بينه وبين الوقوع فى براثن الفيروس.
لكن علينا ونحن نمارس لعبة الخوف من كورونا ألا نفقد إيماننا بأن الحياة أقدار وأنصبة.
ثمة فارق كبير بين الخوف الذى يحمى والخوف القاتل.