بقلم: د. محمود خليل
يوم 18 سبتمبر الجارى احتفلت دول العالم باليوم العالمى للغة العربية.
كل عام يمر يؤكد معنى الذكرى الذى يتغلغل شيئاً فشيئاً إلى اللغة العربية فى غفلة من أهلها. فالمساحة التى تحتلها العربية فى حياة العرب تتراجع شيئاً فشيئاً كأداة للتواصل والتفاعل والتعبير. وليس من المستبعد أن يأتى يوم تصبح فيه اللغة العربية غريبة بين أهلها.
أسباب عدة تقف وراء عملية التحلل الممنهج التى تخضع لها العربية منذ عقود طويلة. لعل أخطرها اللغة الجديدة التى بدأت تروج بين جيل الشباب المتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى.
لو تأملت جيداً اللغة التى يستخدمها شباب اليوم على مواقع التواصل الاجتماعى فسوف ترى عجباً. فالكلمات المعربة (مثل ترند وهاشتاج وشات وانفلونسر وريموت وبلوج وفلوج وبلوجر وفلوجر وفيدباك ولايك وشير وكومنت وبيج وأكونت وغير ذلك) تكاد تتساوى مع المفردات العربية التى تستخدم فى التعبير عن الأفكار والمشاعر لدى الشباب. واللافت أن مسألة التعليم لا تفرق كثيراً على هذا المستوى، فأياً كان تعليم الشاب، فإنه يعرف هذه المفردات ويحفظها جيداً ويستخدمها بلا حدود.
المسألة لا تتوقف عند هذا الحد. فثمة قطاع آخر من جيل الشباب لا يجيد الكتابة بالعربية -وربما الحديث أيضاً- لأنه تعلم فى مدارس لغات تهتم باللغات الأجنبية أكثر من اللغة القومية. وهذا القطاع لا يعرف إلا اللغة الإنجليزية وسيلة للتعبير عن أفكاره ومشاعره.
ولا يستطيع أحد أن يقفز على الثقافة الاجتماعية التى سيطرت على العديد من الأسر وجعلتها أميل إلى الاهتمام بتعليم أبنائها بلغات أجنبية، بسبب متطلبات سوق العمل، رغم عدم وجود ما يمنع من أن تهتم مدارس اللغات بتعليم العربية جنباً إلى جنب مع اللغات الأجنبية. فتعلم اللغات الأجنبية ضرورة ووسيلة مهمة للتواصل مع ثقافة العصر، لكن تعليم اللغة العربية مهم هو الآخر كوسيلة لتكوين وتشكيل هوية المتعلم.
ملمح آخر تجده فى لغة الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى يتعلق باستخدام لغة الفرانكو آراب، من خلال استخدام حروف اللغة الإنجليزية فى كتابة المفردات العربية. ولك أن تعلم أن عبدالعزيز باشا فهمى تبنى اقتراحاً باستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية فى كتابة المفردات عام 1943، وقوبل هذا المقترح بعاصفة من الرفض والاستهجان، واعتبر البعض أن مقاومته جزء من جدول أعمال الوطنية المصرية.
لم يكن عبدالعزيز باشا فهمى يعلم أن المصريين سيلدون جيلاً ينفذ مقترحه بصورة تلقائية ودون تلكؤ. وهو جيل التواصل الاجتماعى.
إذا أضفت إلى التحول السابق المرتبط بالواقع الافتراضى التحولات التى شهدتها بعض المدن العربية بعينها، حيث أصبحت الإنجليزية لغة التواصل فى المطاعم والكافيتريات والمتاجر والمواصلات داخل هذه المدن، فلك أن تتخيل النتائج التى يمكن أن تترتب على هذا الزواج الجهنمى الهادف إلى تحييد وتهميش اللغة العربية فى الواقع الافتراضى والعالم الواقعى.
الحزن على واقع العربية لا يكفى، بل لا بد من بذل جهود أكبر من جانب مجامع اللغة العربية وجمعيات الحفاظ على اللغة ومؤسساتنا التعليمية ووسائل الإعلام وغيرها لإعادة الاعتبار إلى «العربية المهدورة».
لا يعقل أن نجد مجتمعاً مثل المجتمع الإسرائيلى يحيى لغة ميتة فى وقت نقتل نحن فيه لغة حية!