بقلم : محمود خليل
19 عاماً كاملة تمر هذا الشهر على حدث الحادى عشر من سبتمبر 2001، وتفجير برج التجارة العالمى بنيويورك. ذلك الحدث الذى وظَّفته أطراف عدة بأشكال مختلفة فى إعادة رسم خرائط العالم. عقدان من الزمان مرَّا على الحدث، ولا تزال التنظيمات الإرهابية قائمة وموجودة سواء داخل المنطقة العربية أو خارجها. فالإرهاب ظاهرة إذا توافرت شروط وجودها فى الواقع فلا بد أن تصبح جزءاً منه وتعمل عملها فيه.
منذ اللحظة الأولى للحدث وجَّه الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش (الابن) أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة، ومن جهته اعترف تنظيم القاعدة بالعملية، وأعلن أسامة بن لادن أن أفراداً من التنظيم قاموا بالتفجير الكبير الذى هز العالم بأسره، وأطلق على العملية «غزوة نيويورك ومانهاتن»، وهو ما أكده أيضاً نائبه الدكتور أيمن الظواهرى فى العديد من المرات.
لم تكن عواصف التفجير قد هدأت بعد، حين سارعت جهات التحقيق بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تتبع تفاصيل الخطوات التى خطاها تنظيم القاعدة، حتى تمكن من الوصول إلى لحظة اصطدام الطائرات المخطوفة ببرجى التجارة ومبنى وزارة الدفاع الأمريكى. التحقيقات كشفت عن مستوى التضارب فى عمل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية بالولايات المتحدة، فقد توافرت معلومات حول نشاط عدد من عناصر تنظيم القاعدة وسعيهم لتنفيذ عملية كبرى بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن التنافس وعدم التنسيق ما بين الأجهزة أدى إلى تأخر رد الفعل، فتمت العملية بسلاسة بالغة وتحت سمع وبصر أجهزة الدولة الأمريكية.
ولو أنك قرأت كتاب «البروج المشيدة» لمؤلفه «لورانس رايت» فستشعر أن تحركات عناصر القاعدة فى الولايات المتحدة كانت مرصودة من جانب الأجهزة الأمنية، لكن تعمد بعض جهات جمع المعلومات إخفاء ما لديها عن الجهات المسئولة عن التحرك على الأرض لمواجهة المخاطر كان السبب المباشر فى وقوع الواقعة.
الإرهاب فكر منحرف يدفع صاحبه إلى الشطط والمغالاة، والتماس أشد الطرق عنفاً لإملاء أفكاره على الآخرين. وقد ظهر فوق أرض الله منذ اللحظة التى طوعت فيها النفس الأمارة بالسوء لقابيل قتل أخيه هابيل، وما زالت حلقاته تتواصل حتى اللحظة، لكن إلى جانب «البعد الطبيعى» فى هذه الظاهرة يوجد بُعد آخر «مصنوع». تستطيع أن تستدل على ذلك بسهولة من مراجعة تفاصيل المراحل والخطوات التى استغرقت العديد من السنوات ووظفت عشرات الأحداث وصولاً إلى زلزال الحادى عشر من سبتمبر 2001. البعد المصنوع فى «الإرهاب» هو وحده الكفيل بضبط فهم الناس لهذا الحدث الإرهابى الكبير، وكذلك غيره من الأحداث الأقل شأناً.
جانب الصناعة فى الإرهاب كان قائماً قبل أحداث 11 سبتمبر، لكن أساليبه وأدواته تطورت بشكل ملحوظ عقب الغزو الأمريكى، حين تحول إلى شركة عابرة للجنسيات على يد تنظيم داعش، الذى تم تأسيسه طبقاً لمفاهيم العصر -ومن بينها مفهوم الشركات المتعدية للجنسيات- ليمثل ذروة التطور فى الصناعة.
ومؤكد أن الأطراف الراعية لهذه الصناعة هى المستفيد الأول من منتجاتها، تستطيع أن تستدل على ذلك بسهولة من مراجعة حجم المكاسب التى حصدتها الولايات المتحدة الأمريكية من وراء أحداث سبتمبر 2001، لكن تبقى قصة طويلة ومثيرة وراء هذه الصناعة.