لأول مرة فى تاريخ السودان يوضع فيلم ضمن قائمة ترشيحات مسابقة الأوسكار فى فئة أفضل فيلم أجنبى. الفيلم هو «ستموت فى العشرين» لمخرجه أمجد أبوالعلا.
تشير تقارير إعلامية إلى أن الفيلم سبق أن حصد جوائز عديدة فى مهرجانات سينمائية دولية ومحلية.
وهو مأخوذ عن قصة للأديب السودانى «حمور زيادة» تأخذ نفس العنوان: «ستموت فى العشرين» تدور أحداثها فى قرية الحلة التى يسير فوق ترابها بشر تختلط بداخلهم أوجاع الحياة بأشواق الآخرة، وعبق التاريخ بهزائم الجغرافيا، ومتاهات الفقر وضغوطات الحياة بخيالات الدراويش وأنفاس الصوفية.
تبدأ أحداث الفيلم بصرخة انطلقت من صدر أحد الدراويش حين كان الخليفة -شيخ الطريقة الصوفية- يحنّك الطفل «مزمل» بعد مولده بساعات، حملت الصرخة نبوءة بأن هذا الطفل سيموت فى العشرين من عمره.
قلبت النبوءة حياة القرية كلها، وأصبح مزمل ينادى من أترابه بـ«ولد الموت» ومن الكبار بالمرحوم. عشرون عاماً من العزاء قضتها الأم سكينة والأب النور فى تلقى عبارات المواساة من أهل القرية.
تأرجحت سنوات مراهقة «مزمل» بين الخدمة فى المسجد وحفظ القرآن الكريم على روايتى حفص والدورى، وبين توصيل الطلبات من أحد محلات البقالة المتواضعة إلى الزبائن.
يلتقى «مزمل» بالكهل المتقاعد فى بيته «سليمان»، وهو شخصية أكثر انفتاحاً وأكثر شوقاً إلى الحياة رغم مروق سنوات العمر بين يديه، تعلم من أسفاره العديدة أن العالم ليس مقفولاً على قرية «الحلة» كما يظن أهلها، بل يمتد إلى مساحات أرحب بكثير. كان يتعجب من أمر «مزمل» الذى أراد أن يعيش عشرين عاماً من العبادة حتى يلقى وجه ربه نظيفاً نقياً. رأى أن ذلك لا يليق بعبد أمام رب غفور رحيم، يريد من عباده أن يأتوه وقد خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
وينتهى الفيلم باستمرار «مزمل» على مسرح الحياة، وعدوه وراء سيارة نقل متهالكة ليتشبث بها ويهرب من الحلة.
لم تكن المسألة من جانب «سليمان» تحريضاً على الفسق بقدر ما كانت تحريضاً على الحياة.
القيمة الأساسية للقصة والفيلم السينمائى تتحدد فى الإجابة عن السؤال اللغز: لماذا يتخلف الشرقى ويتقدم غيره؟
إنها ثقافة الموت التى تضرب زوايا الحياة لدينا، وثقافة الحياة التى تسكن كل ركن من أركان حياتهم.
العربى أو الشرقى أو المسلم مطارد منذ الميلاد بثقافة تزهده فى الحياة، وتدفعه دفعاً إلى السقوط فى بئر أحزان لا تنتهى.
ثقافة تنظر إلى الفقر والجوع والمرض والظلم كأقدار يقع قبولها فى سياق الإيمان، ويعنى التمرد عليها مروقاً من واحته.
هكذا عاشت قرية الحلة على فكرة عجائبية تحول فيها إنسانها إلى مجرد «عداد» أو «حسابة» تحصى الأيام وتعد السنين فى انتظار اللحظة التى يتساوى فيها جميع البشر، ونسيت فى شرودها وغرقها فى الفكرة الحياة التى أمر الله بعيشها وإعمارها والذوب فى لحظاتها، حتى ولو كانت لحظات سقوط إنسان خلقه الله ضعيفاً فى براثن الخطأ أو الجموح.
الفيلم دعوة لإعادة النظر فى ثقافة الموت التى غلفت حياة الشرقيين بالتخلف والتراجع، وإذكاء ثقافة الحياة.