تراجع أو تلاشى جماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لن يتأتى بمجرد ضربة سياسية أو أمنية توجه إليهم. هذه الجماعات ستظل قائمة ما بقيت شروط استمراريتها.
جماعة الإخوان موجودة فى الشارع المصرى منذ عام 1928، ورغم ذلك فقد ظلت بلا تأثير سياسى يذكر حتى الأربعينات من القرن الماضى، وكان السر فى ذلك سيطرة التيار الليبرالى بزعامة حزب الوفد على الشارع.
اهتزت صورة الوفد فى الشارع بعد حادثة فبراير 1942 وتولى النحاس باشا رئاسة الحكومة بدعم من سلطة الاحتلال البريطانى. عقب هذا التاريخ لم يعل صوت جماعة الإخوان وحدها، بل صوتها وأصوات غيرها من الحركات الراديكالية مثل «مصر الفتاة» والحركات الشيوعية.
ورغم الصعود الملحوظ لهذه الحركات، فإن حزب الوفد ظل صلباً وبقيت الفكرة الليبرالية التى يحملها متماسكة حول مفاهيم الديمقراطية والدولة المدنية حتى قامت حركة الضباط الأحرار فى يوليو 1952.
توافقت القوى السياسية فى ذلك الوقت على رفض الحكم الديكتاتورى ودعت إلى نظام حكم يرتكز على ديمقراطية حقيقية. كان ذلك فى أقل تقدير هو توجه الوفد وغيره من الأحزاب الليبرالية التى حكمت قبل 1952، وشاركها فى ذلك بعض الأصوات اليسارية.
الإخوان وحدهم وقفوا داعمين لسلطة 1952 حتى وقعت المواجهة الدامية بينهم وبين «عبدالناصر» عام 1954، وتمكن الأخير من ركوب المشهد على حساب كل خصومه ومنافسيه.
منذ هذا التاريخ تبلور مشهد الحكم والمعارضة بين من تبقى من تنظيم الضباط الأحرار ومن تبقى من تنظيم الإخوان، لكن اللافت أن قطاعاً لا بأس به من المصريين لم يكن يلتفت إلى أى من الطرفين، فمكث يحلم بعودة الديمقراطية الضائعة والزعامة الحقيقية المبنية على كفاءة الحكم ورصانة الأداء.
وجد هذا القطاع من المصريين مساحة للتعبير عن مكنون نفسه عندما توفى مصطفى النحاس، زعيم الوفد، عام 1965، حين خرج آلاف المصريين مشيعين له وهاتفين بزعامته الحقيقية، رغم أن الرجل كان غائباً عن المشهد ومحدد الإقامة فى بيته منذ عام 1954.
لم يكن تشييع النحاس باشا عام 65 مجرد تشييع لزعيم أحبه الشعب، بل كان تشييعاً أيضاً للفكرة الليرالية، وإيذاناً بخلو الشارع السياسى من أى فكرة يمكن أن تحتشد حولها الجماهير، إلا الأفكار التى تطرحها جماعات الإسلام السياسى.
وقد استغلت هذه الجماعات، وعلى رأسها الإخوان، حالة الفراغ تلك وملأت الشارع والإعلام والثقافة الشعبية بأفكارها طيلة فترة السبعينات، وأفلحت فى تدجين الشباب والفتيات والأطفال وراء مجموعة من الشعارات الدينية العامة والسماوية التى تعجز عن حل أى مشكلة عندما تهبط إلى أرض الواقع.
قدمت جماعات الإسلام السياسى نفسها كقوة معارضة قادرة على حشد الشارع طيلة فترة حكم السادات، وتواصل الأمر خلال حكم مبارك، عاد حزب الوفد إلى الصورة لكنه عجز عن إحياء الفكرة الليبرالية الميتة، والأكثر من ذلك أنه بات متناغماً مع توجهات السلطة، خصوصاً خلال فترة حكم مبارك.
فى كل المراحل التى مرت بها عجزت سلطة «يوليو 1952» عن خلق أيديولوجية قادرة على منافسة أو هز أوضاع الإخوان والإسلام السياسى فى الشارع السياسى المصرى.
والحقيقة أن كل من حكم مصر بعد 52 كان يأبى منح أى فرصة لبلورة خط ليبرالى معارض، لأنهم كانوا يخافون الليبراليين أكثر من الإسلاميين، على أساس أن الأخيرين ديتهم معروفة، إما التصافق أو المطاردة، أما الليبراليون فمنافس ليس من السهل ترويضه.
لذلك كان من الطبيعى أن يسير المشهد فى الاتجاهات التى سار فيها بعد ثورة يناير 2011، والتى تشهد على تكاثر جميع الأطراف التى كانت تستهدف الحكم على الملايين التى خرجت داعية للحكم الديمقراطى ولدولة مدنية حقيقية.