بقلم: د. محمود خليل
معنى شديد الرقى تجده فى تلك الآية الكريمة من سورة يوسف التى تقول: «وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ».
إنه ذلك المعنى الذى يربط ما بين الرحمة والإحسان.
فى أوقات المحنة يكون الإنسان فى أشد الحاجة إلى أن يكسوه الله بكساء الرحمة، بما تحمله من معانى الاطمئنان والسكينة والأمن والأمل فى الخروج من الأنفاق الصعبة التى تقذف الحياة بنى آدم فيها.
سحابات الرحمة ونسمات السكينة ودفء الاطمئنان تجد طريقها بسهولة إلى حياة المحسنين.
نبى الله يوسف عاش محناً وابتلاءات لا يقوى على تحملها سوى أولى العزم من البشر، أحسن فى مواجهتها حين عالجها بالصبر والترفع عن الجزع أو الضجر، لم تدفعه إساءات البشر من حوله -بما فى ذلك من أقرب الناس إليه- إلى التخلى عن أخلاقياته الراسخة، فبادل الإساءة بالإحسان.
كل المواقف التى خاضها يوسف عبر الرحلة تشهد على الإحسان فى القول وفى العمل، كان مجيداً فى التعامل مع أزمة الجفاف التى واجهت البلاد والعباد فى مصر، وصابراً على مرارة السجن حين أُلقى به خلف جدرانه القاسية رغم وضوح أدلة براءته، وذكياً فى تدبير أمره مع إخوته والمحيطين به.
كانت الإجادة والصبر والذكاء فى مواجهة المواقف الصعبة جوهر رحمة الله تعالى بنبيه يوسف، فرحمة الله أقرب ما تكون إلى المحسنين، فرب السماوات والأرض عادل أبداً، ويجازى إحسان الإنسان بإحسان أكبر يتجلى فى صور الرحمة التى تدرك البشر حين تتكاثر عليهم المحن.
«هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ».
صنائع المعروف التى قابل بها نبى الله يوسف ابتلاءات الحياة كانت سراً من الأسرار التى ألبسته ثوب الرحمة، فأنجته من البئر والأسر والسجن والكيد، ووهبته الثبات أمام إغراءات المرأة والمال والسلطة.
الله تعالى يرحم الجميع، فقد خلق سبحانه الإنسان وهو أعلم بطبيعته الضعيفة «وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا»، ونفسه الهلوعة «إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا»، والمتعجلة «خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ»، لكن رحمته أقرب ما تكون إلى مَن يترفع على ضعفه فيقوى فى مواجهة الشدائد، ولا يجزع أمام المحن ويعلم أن كل شىء بيد الله وأن الله على كل شىء قدير، ولا يتعجل النتائج إذا أحسن فى إدارة أمر من الأمور وتأخر حصد النتائج.
نحن أحوج ما نكون إلى استحضار هذه المعانى خلال الأيام الصعبة التى نعيشها، فلا نتعامل بالهلع أو الجزع أو الاهتزاز أمام وباء أو بلاء أو غلاء أو غباء، بل نحن مطالبون باستيعاب حقيقة أن الحياة لا تخلو من مآزق.
العاقل مَن يملك نفسه ويدبر أمره ويحتكم إلى المنطق ويُحسن فى مواجهة كل مأزق، دون أن توقعه الأزمة فى شرَك التخلى عن أخلاقياته، أو تدفع به المحنة إلى الإساءة أو تمنِّى السوء لغيره.
على المحسن أن يتيقن أن رحمة الله تعالى أقرب ما تكون إليه: «إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ».