بقلم: د. محمود خليل
أسامة بن زيد من الشخصيات الاستثنائية فى تاريخ الإسلام، اختاره النبى صلى الله عليه وسلم أميراً للجيش الذى سيّره لقتال الروم فى الشام وهو ابن 18عاماً، وقيل: إنه شهد يوم مؤتة مع والده (زيد بن حارثة)، وهى الواقعة التى واجه فيها المسلمون الروم واستشهد فيها «زيد» وهو قائد للجيش. يقول «الذهبى» صاحب «سير الأعلام النبلاء»: «كان أسامة شديد السواد، خفيف الروح، شاطراً، شجاعاً. رباه النبى -صلى الله عليه وسلم- وأحبه كثيراً».
لم يكن اختيار النبى لأسامة كأمير لجيش الشام نابعاً من مجرد محبة، بل كانت لديه أسبابه الموضوعية فى تمكين جيل الشباب، لذلك فقد انزعج انزعاجاً شديداً عندما وجد أناساً يتحدثون بأن النبى أمّر أسامة ابن الـ18 عاماً على جيش فيه الشيخان أبوبكر وعمر. يقول «ابن سعد» فى «طبقاته»: «صعد النبى صلى الله عليه وسلم المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الناس قد طعنوا فى إمارة أسامة بن زيد، وقد كانوا طعنوا فى إمارة أبيه من قبله وإنهما لخليقان لها، أو كانا خليقين لذلك، فإنه لمن أحب الناس إلىّ وكان أبوه من أحب الناس إلىّ إلا فاطمة فأوصيكم بأسامة خيراً».
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، وأدرك أسامة بعد وفاة النبى ما يحيق بالأمة من خطر جراء ردة القبائل عن الدولة التى أسسها محمد، فراجع أبا بكر فى أمر المسير إلى الشام، لكن الأخير أبى أن يوقف جيشاً سيّره رسول الله.
وارتبطت بأسامة بن زيد قصة مزلزلة تتعلق بقتل الناس عبر التفتيش عن نواياهم، وقد شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
يحكى «الذهبى» القصة قائلاً: «حدثنى محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة، عن أبيه، عن جده أسامة بن زيد، قال: أدركت رجلاً أنا ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السيف، قال: لا إله إلا الله. فلم ننزع عنه، حتى قتلناه. فلما قدمنا على النبى -صلى الله عليه وسلم- أخبرناه خبره. فقال يا أسامة بلا إله إلا الله؟ فما زال يرددها حتى لوددت أن ما مضى من إسلامى لم يكن وأنى أسلمت يومئذ ولم أقتله».
ربما كانت رواسب هذه القصة هى الدافع وراء إحجام «أسامة» عن المشاركة فى أحداث الفتنة الكبرى، رغم محبته لعلى. يحكى «الذهبى» أن علياً لقى أسامة فقال له: ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة، فلم لا تدخل معنا؟ قال: يا أبا حسن، إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد (أى لو أخذتنى للهلاك)، لأخذت بمشفره الآخر معك، حتى نهلك جميعاً، أو نحيا جميعا، فأما هذا الأمر الذى أنت فيه، فوالله لا أدخل فيه».