لا أحب الهزيمة.. هكذا تحدث ترامب حين سئل عن موقفه إذا حسم «بايدن» الانتخابات الرئاسية لصالحه.
يرد البعض عدم تقبل أفراد بعينهم لفكرة الهزيمة أو الخسارة إلى تركيبتهم النفسية أو المزاجية. المسألة أعمق من ذلك فى تقديرى.
ترتبط فكرة «رفض الهزيمة» بسيرة أفراد من طراز معين فى الحياة. تعودوا على أن الحياة تعطيهم أكثر مما تأخذ منهم، لذا طمعوا فيها، ورغبوا فى ركوب كل المواقف التنافسية التى يجدون أنفسهم فيها.
لعبة الحظ واحدة من أكبر ألعاب الحياة. وهناك أشخاص محظوظون بطبيعتهم، يكون النجاح حليفهم فى العديد من المواقف، فيتعودون على ذلك، ويرفضون من داخلهم فكرة أن الحظ يمكن أن يلعب فى لحظة ضدهم.
السيرة الذاتية للفرد هى الفيصل فى مثل هذه الأحوال.
«ترامب» ابن لأب ثرى عمل فى مجال التطوير العقارى. ثراء الأب مكّنه من تقديم تعليم جيد لأبنائه، فتعلم «ترامب» فى صباه فى الأكاديمية العسكرية بنيويورك التى تخرج فيها العديد من المشاهير.
عندما بلغ «ترامب» أشده واستوى على عوده نفحه أبوه مبلغاً معتبراً من الدولارات ليبدأ به مشروعه الخاص. وانطلقت الرحلة. عمل «ترامب» مطوراً عقارياً مثل أبيه، وربح الكثير من المال. فقد كان الرجل من النوع الذى يعرف كيف يستثمر ما فى يديه وكيف ينتهز الفرص.
أخذت أعمال «ترامب» فى التوسع فامتد نشاطه إلى الاستثمار فى مجال الترفيه فى الكازينوهات والنوادى الليلية وغيرها، وربح كثيراً.
تعرض «ترامب» لعثرات مالية متعددة، لكن الحظ كان يلعب دائماً لصالحه، فينهض بسرعة ويسترد عافيته من جديد، ليحقق العديد من النجاحات فى دنيا المال والأعمال والإعلام، وليحصد شهرة لم يحصدها غيره.
لعبة الشهرة خلبت عقل «ترامب» ودفعته إلى البحث عن المزيد من النجاحات.
من بوابة المال والأعمال وشهرة الإعلام دخل «ترامب» إلى عالم السياسة، وأخذ الحظ بيده إلى أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، فى مفاجأة مدوية خلال انتخابات 2016.
تمكن «ترامب» خلال فترة حكمه من اتخاذ قرارات لم يكن يجرؤ عليها من سبقوه إلى حكم الولايات المتحدة الأمريكية. قرارات كان يتوقع البعض أن تسبب له مشكلات عديدة، لكن كل شىء مر، وأملى «ترامب» ما يريد على الواقع الأمريكى المحلى وكذلك على الواقع العالمى.
الحظ قد يلعب لصالحك قليلاً أو كثيراً، لكن ليس على طول الخط. فى لحظة معينة يمكن أن يتخلى عنك. فى هذه الحالة لا بد أن يكون الإنسان من النضج بحيث يتقبل الخسارة مرة، كما رحب بالمكسب مرات.
حتى لحظة كتابة هذه السطور لم تُحسم نتيجة الانتخابات الأمريكية بعد، ولا نعلم من الرئيس القادم للدولة الأولى فى العالم؟، لكن «ترامب» أكد أكثر من مرة أنه لن يتنازل عن مقعده فى البيت الأبيض بسهولة. وقبل بدء ماراثون الانتخابات عبر عن خشيته من عمليات تزوير وتلاعب يمكن أن تتم فيها. يقول ذلك وهو رئيس جمهورية وكل الصلاحيات فى يده!.
هكذا يفكر المحاظيظ دائماً، يظنون أن الحياة يجب أن تدين لهم فى كل المواقف، ويجهلون أن الأصل فى الحياة هو الهزيمة. حياة البشر جميعاً تشهد انتصارات وانكسارات تتفاوت فى مقدارها، لكنهم جميعاً يتساوون أمام الهزيمة الكبرى.. هزيمة الموت.. أحسن الله ختامنا جميعاً.