توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خديو مصر الأخير

  مصر اليوم -

خديو مصر الأخير

بقلم : محمود خليل

اعتلى عباس حلمى الثانى نجل الخديو توفيق سدة الحكم بعد وفاة أبيه عام 1892 وفى نفسه إحساس عميق بالمرارة من النهاية المأساوية لأبيه، فقد مات توفيق فجأة فى الأربعين من عمره، ويذهب عباس الثانى -فى مذكراته- إلى أن صحة أبيه انهدت بسبب ما مورس عليه من ضغوط من جانب عرابى والإنجليز والباب العالى، وأنه رأى أن يستسلم لهذه الضغوط حماية للبلاد من الوقوع فى براثن حرب أهلية. كانت أول خطوة اتخذها الخديو الجديد بعد توليه الحكم الإطاحة بمصطفى فهمى، رئيس الوزراء الذى يصفه قائلاً: «بدا لى أن وجود هذا الرجل على رأس الوزارة غير مقبول، وكانوا يأخذون عليه عدم تمسكه بمبادئ الإسلام، ولم يترك أية فرصة لكى يسخر من الإسلام ولمحاربة الباب العالى».

مصطفى فهمى، كما تعلم، هو والد صفية زغلول زوجة الزعيم سعد زغلول. وتقييم عباس حلمى له يؤشر إلى المعايير التى كان يعتمد عليها فى اختيار رجاله، وأولها التمسك بمبادئ الإسلام، وثانيها الولاء للباب العالى فى إسطنبول. ويتقاطع عباس الثانى مع الأول فى هذا النهج، ورغم الحفاوة والشاعرية التى يصف بها «عباس الثانى» جده إسماعيل باشا وخططه فى جعل مصر قطعة من أوروبا، فإن مسارات سنى حكمه تشهد بأنه كان أقرب نسبياً إلى عباس طوسون. كان لتخلص عباس حلمى من مصطفى فهمى -رجل الإنجليز كما يصفه فى مذكراته- أثر السحر فى نفوس الأداهم المصريين الذين عبّر الخديو الجديد عن مشاركته لهم فى كراهية الإنجليز وكراهية مَن يعمل معهم أو لصالحهم، وقد بان ذلك فى مظاهرة الحب التى أحاطه بها أهالى القاهرة عندما ذهب لصلاة الجمعة فى الحسين، وقد توقف الخديو عباس حلمى طويلاً أمام هذا الحدث فى مذكراته.

التفَّ شباب «الأداهم» حول الخديو الشاب الجديد، ووجدوا فيه روحاً وطنية لم يجدوها فيمن سبقوه، كما تقاطع معهم فى الطابع الدينى المحافظ الذى كرسه فى أوساطهم عباس حلمى الأول. ومن ناحيته استخدم آخر خديو فى مصر الشباب الوطنى كأداة سياسية فى صراعه مع خصمه الأول اللورد كرومر. لعب مصطفى كامل فى هذا السياق دوراً نحفظه جميعاً. وتكاد تكون رسالة مصطفى كامل تعبيراً عن عقل الخديو ورؤيته لفكرة استقلال مصر. لم يبرأ الزعيم الوطنى الشاب من الروح الأدهمية حين تزيَّا بزيها الدينى وأخذ يدافع عن دولة الخلافة وبالغ فى الحديث عن تبعية مصر للدولة العثمانية العلية كمبرر لعدم شرعية الاحتلال الإنجليزى لمصر.

كان لدى عباس حلمى وعى واضح بالأداهم المصريين يلخصه فى مذكراته قائلاً: «الشعب والفلاحون لا يأبهون من حيث المبدأ إلا بكل ما كان يمس خبزهم وهدوءهم بشكل مباشر». تركيبة «أدهم» كانت واضحة وهى جزء من تركيبة البسطاء فى كل زمان ومكان، إنه يحب وطنه حراً مستقلاً متقدماً، بشرط ألا يأتى ذلك على حساب خبز يومه وألا يقلق راحته. فمعادلة «الخبز والهدوء» هى المعادلة الحاكمة له. وقد تحسنت الأحوال الاقتصادية فى عهد عباس الثانى مقارنة بالظروف التى سادت أواخر عصر إسماعيل وخلال عصر توفيق، وكان لهذا التحسن صدى طيب لدى «الأداهم»، لكنه من ناحية أخرى جعلهم يربطون باستمرار بين التمسك بمبادئ الإسلام -كما كان يردد عباس- وتحسن أحوال الحياة، وقد أعاد الأداهم إحياء هذه العلاقة من جديد بعد الهجرة إلى بلاد النفط، رغم أن التمسك بالإسلام فى الحالتين كان ظاهرياً ولم يزد على الشعارات التى تتردد باللسان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خديو مصر الأخير خديو مصر الأخير



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon