بمجرد اغتيال محسن فخرى زاده العالم النووى الإيرانى، وجه المسئولون الإيرانيون أصابع الاتهام إلى إسرائيل وتوعدوا بالرد.
تاريخ تل أبيب فى اغتيال علماء ذرة عرب ومسلمين معروف، ودعم الولايات المتحدة للعمليات التى تقوم بها فى هذا السياق معروف أيضاً.
هل يمكن أن ترد إيران على الضربة الموجعة التى وقعت بالقرب من العاصمة طهران؟ لا أظن أن إيران ستفعل، على الأقل فى الوقت الحاضر. فالمسئولون هناك يعلمون أن ثمة تنسيقاً ما بين إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، ورئيس وزراء إسرائيل من أجل جر المنطقة إلى حرب كبرى.
تقارير أمريكية عديدة تحدثت عن رغبة «ترامب» فى إشعال حرب مع إيران خلال الأسابيع القليلة المتبقية من مدة رئاسته كعمل انتقامى من «بايدن»، الذى سيحل محله فى البيت الأبيض، فهو يريد أن يترك له مشكلة كبرى تحول بينه وبين العودة إلى اتفاق 2015.
اللافت حتى كتابة هذه السطور أن «بايدن» لم يعلق على العملية التى وقعت فى إيران، ولم يعلق أيضاً على تحرك القطع الحربية الأمريكية إلى المنطقة، ولم يلتفت إلى تغريدات «ترامب»، التى أعقبت واقعة الاغتيال، وقال فيها إن أى عملية إيرانية ستُنفّذ ضد جندى أمريكى واحد ستواجه برد مدمر ضد طهران.
«بايدن» صامت.. وكذلك نائبته «كمالا هاريس»، فهل ينتهجان النهج نفسه الذى تبنّته طهران بابتلاع ما حدث حتى يغادر «ترامب» البيت الأبيض، وبعدها لكل حدث حديث؟
من الخطأ تصور أن موقف «بايدن» من المشروع النووى الإيرانى يختلف نوعياً عن موقف «ترامب»، إنه فقط يختلف كمياً، بمعنى أن «بايدن» يرفض أن تطور إيران سلاحاً نووياً، ولا يطمئن إلى ما تعلنه طهران حول الطابع السلمى للأنشطة النووية التى تقوم بها، قد يبدى فقط نوعاً من التساهل المحسوب مع برنامج الصواريخ الإيرانى.
«بايدن» أيضاً ليس أقل دعماً لإسرائيل من «ترامب». والاثنان يعلمان -كما يعلم نتنياهو- أن إيران التى توعّدت بالرد على اغتيال «زاده» لن تجعل إسرائيل هدفاً لردها. فالكل يعلم أن مثل هذه الخطوة كفيل بإشعال المنطقة لتقع فى آتون حرب لا يعلم أحد مداها أو نتائجها.
التوقيت الذى تمت فيه الضربة حرج للغاية بالنسبة لكل الأطراف، حرج لطهران، كما هو حرج لكل من «بايدن» و«ترامب». ربما كانت إسرائيل الطرف الوحيد الذى يملك مرونة أكبر فى الحركة فى مثل هذه الأجواء.
ويبقى أن ثمة مجموعة من الأمور تستحق التفكير على هامش هذا الحدث: يتعلق أولها بإيران التى أثبتت الواقعة مدى هشاشة جهازها الأمنى وعجزه عن منع تنفيذ عمليات تتم داخل عاصمتها طهران.
والثانى يتصل بقدرة فرد واحد مثل «ترامب» على إشعال العالم حين يريد لأهداف انتقامية من غريم سياسى تمكن من انتزاع السلطة منه فى ماراثون انتخابى تابعه العالم كله، فيكفى جداً أن يهاجم الإيرانيون بضعة جنود أمريكيين ليحرك «ترامب» عدته وعتاده دون انتظار موافقة الكونجرس الأمريكى.
أما الأمر الثالث فيرتبط بالملف النووى الإسرائيلى، وقفز «تل أبيب» على كل الدعوات التى تنادى بشرق أوسط خالٍ من السلاح النووى، وعدم استدعاء أحد لهذا الملف وهو يتحدث عن الملف النووى الإيرانى.
الأمور الثلاثة تؤكد منطق القوة الذى يحكم العالم.. القوة التى أحياناً ما تتحول إلى نوع من البلطجة.