تقرير معتبر أصدره المركز الإعلامى لمجلس الوزراء حول «حالة الشائعات فى مصر خلال عام 2020».
التقرير اشتمل على حشد كبير من الأرقام التى تصف نسب تداول الشائعات فى مصر، وارتفاع أعدادها عند الانتقال من عام إلى عام، حتى وصلت إلى أعلى معدل لها عام 2020.
يقول التقرير إن العام المنصرم شهد ارتفاعاً كبيراً فى عدد الشائعات التى تم تداولها فى الشارع المصرى، وتولى المركز الإعلامى لمجلس الوزراء الرد عليها وتصحيحها.
وليتك تتأمل معى أحد الأرقام المهمة التى اشتمل عليها التقرير، ويشير إلى أن نسبة 51.8% من الشائعات تعلقت بجائحة كورونا.
الرقم يبدو طبيعياً، فموضوع كورونا بمخاطره الصحية وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية أكثر ما شغل المواطن فى مصر، مثله فى ذلك مثل كل مواطنى العالم، خلال العام الماضى.
وارتفاع معدل الشائعات المتعلقة بكورونا يدل ببساطة على أن المواطن كان نشيطاً فى البحث عن أى معلومات تساعده على فهم ما يحدث. وتقصير الحكومة فى توفير المعلومة الصحيحة والدقيقة والواقعية للمواطن هو الذى دفعه إلى التجول فى سوق الشائعات.
وقد حدّد التقرير المجالات التى راجت فيها الشائعات فى سياق الجائحة، وتمثّلت فى الصحة والتعليم والاقتصاد والتموين.
وعندما تطرّق إلى نماذج الشائعات التى راجت فى سياق «مجال الصحة»، أشار إلى أن من بينها توزيع كمامات مصنّعة من مواد غير طبية بمستشفيات العزل، والتخلص من النفايات الطبية الخاصة بمستشفيات العزل بطريقة غير آمنة، ووجود عجز فى أجهزة وحدات الرعاية المركزة أو مستلزماتها.
ولو أنك تأملت هذه الشائعات فستجد أنها تعكس «اهتزاز ثقة المواطن فى أداء الحكومة». وهى مسألة ليست وليدة اليوم، بل تمتد بجذورها إلى ماضٍ أعمق تراكمت فيه بعض الخبرات السيئة لدى المواطن حول الأداء الحكومى أدّت إلى اهتزاز ثقته فيه.
الجهد الذى تقوم به الحكومة فى رصد الشائعات والرد عليها كما يتجلى فى هذا التقرير جهد مطلوب، لكن هناك ما هو أهم منه.
لا يكفى أن تنتظر الحكومة انطلاق شائعة ما ثم ترد عليها، بل عليها أن تمتلك «رادار» يكون قادراً على استشعار الاحتياجات المعلوماتية للمواطن، ثم تسارع إلى تلبيتها، قبل أن تستغل أى جهة أخرى حالة الفراغ المعلوماتى التى يشعر بها المواطن -فى ظل غياب دور الحكومة- لتملأه بما شاءت وشاء لها الهوى من شائعات.
ومن عجب أن يهتم المركز الإعلامى لمجلس الوزراء بتتبع الشائعات بهذا الدأب والنشاط، فى وقت لم يشرح لنا فيه جهوده فى استباق الشائعة بالمعلومة التى تستشعر احتياجات واهتمامات الجمهور وتحصّنه بالمعرفة حتى لا يعطى أذنه للشائعة.
نفى الشائعة بعد تردّدها يعنى أن الحكومة تؤدى بنظرية «وضع العربة أمام الحصان». فالاستباق بالمعلومة يطرد الشائعة، أما نفيها فيعنى لدى بعض المواطنين نوعاً من الإثبات لمحتواها.
وإذا كانت الحكومة تطالب المواطن بعدم الإنصات إلى الشائعات التى تحاول بعض الجهات المغرضة التلاعب من خلالها بعقل المصريين، فعليها أن تنصح نفسها بأن تحسّ بالمواطن وبحاجته إلى المعرفة (الحقيقية) وتلبيها.
شىء مضحك للغاية أن تجد مراكز إعلامية ومعها من يصفون أنفسهم بخبراء الإعلام وقد تحولوا إلى «أجهزة كشف للكذب والأخبار الكاذبة»، دون أن يشعر أى منهم بأن الأصل فى رواج الكذب هو غياب الصدق!.
الخبر الصادق وحده القادر على طرد الأخبار الكاذبة.