بقلم: د. محمود خليل
أسلوب إدارة مسئولى «الصحة» فى مصر لأعداد الإصابات والوفيات بكورونا يثير العجب.. ويضع المتابع للواقع فى مفارقة مثيرة بين ملاحظته الشخصية وما يسمعه من أرقام.
على سبيل المثال شهدت الأرقام المعلنة من جانب وزارة الصحة نوعاً من التراجع خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر يناير والأسبوع الأول من فبراير، فى وقت كانت مسيرة تحول حسابات «الفيس بوك» إلى صفحات عزاء لمن توفاهم الله بالمرض أو الدعاء بالشفاء لمن ابتلاهم الله تعالى به على أشدها.
ثم فجأة بدأت الأرقام المعلنة من «الصحة» فى الارتفاع من جديد -سواء الإصابات أو الوفيات- خلال الأيام الأخيرة حتى وصلت يوم الأربعاء الماضى إلى 610 إصابات و53 وفاة، فى وقت كان المتابعون لمنصة الفيس بوك يرددون أن الصفحات بدأت تخلع ثوب الحداد.
الناس معذورة فى المقارنة بين ما تلاحظه فى الواقع وما تسمعه من أرقام. ولعلك تابعت تصريحات الدكتور عوض تاج الدين، مستشار الرئيس لشئون الصحة، التى أكد فيها أن عدد الإصابات المعلن ليس حقيقياً من الناحية الفنية، وأن هناك فروقاً بين العدوى والمرض، والأعداد المسجلة تعبر عن الحالات التى تم فحصها وإبلاغها للصحة.
كلام أمين ويفسر ببساطة حالة المفارقة بين المعلن والمشاهد، لكنه يطرح سؤالاً حول سياسة وزارة الصحة فى فحص الحالات واكتفائها بتسجيل من يأتيها دون تحرك للفحص الخارجى والسيطرة على الحالات المصابة.
والمشكلة أن بعض الحالات المصابة بالعدوى والتى تغرد خارج السيطرة وبعيداً عن أرقام وزارة الصحة تتحرك فى الواقع فتنقل العدوى إلى غيرها بشكل يثير القلق.
ومشكلتنا كمصريين أننا نميل إلى عدم الاعتراف بالمرض. وبعض المصابين بكورونا يرفضون وكذلك بعض من حولهم تصديق ذلك، ويرددون أن الأمر لا يزيد عن «إنفلونزا عادية».. وبناء عليه فإنهم يستمرون فى حركتهم المعتادة بما تحمله من مخاطر على غيرهم.
عموماً المقارنة بين المشاهد على مواقع التواصل والمعلن من وزارة الصحة خلال الأيام الأخيرة تؤكد المفارقة نفسها، ويبدو أن الحالات التى تسجل فى وزارة الصحة بدأت تزيد وبالتالى زادت الأرقام المعلنة.
فى تصريح لها مؤخراً خلال المؤتمر الصحفى حول مستجدات كورونا فى أفريقيا، قالت وزيرة الصحة إنها تتوقع ارتفاع الإصابات بكورونا خلال الأسابيع القادمة لتصل إلى ذروتها خلال شهر أبريل، وإنها ستأخذ فى الانخفاض خلال شهر مايو.
ويعنى ذلك ببساطة أن علينا أن نتوقع زيادة الأرقام المعلنة من وزارة الصحة خلال الأسابيع القادمة وحتى نهاية أبريل وهى الفترة التى ستشهد انطلاق الفصل الدراسى الثانى عقب الانتهاء من امتحانات الفصل الدراسى الأول. والبعض يردد أنه طبقاً لأرقام وزارة الصحة نفسها فإن الأسابيع الثلاثة التى شهدت تراجعاً تزامنت مع قرار تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات!
مشكلة الحكومة هى نفس مشكلة المواطن.. فالطرفان يراوغان.. وزارة الصحة تراوغ المواطن بالأرقام.. والمواطن يراوغ بالاستخفاف وعدم الالتزام رغم صراخه بالخوف من العدوى.
ومثل المراوغ كمثل المنبَتّ.. فلا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.